فلسطين في الإعلام: مشهد‘‘باهت‘‘ أمام الرواية الإسرائيلية المضادّة

دخان يتصاعد إثر قصف إسرائيلي على غزة - (ارشيفية)
دخان يتصاعد إثر قصف إسرائيلي على غزة - (ارشيفية)

نادية سعد الدين

عمان- شغلت الساحة الفلسطينية المحتلة مساحة "باهتة" في المنابر الإعلامية العربية، التي عكسّت، وفق مراقبين، "تجاذبات المشهد الإقليمي العربي المضطربّ، مما ينذر بالمزيد من تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية لصالح أزمات المنطقة"، بحسبهم.اضافة اعلان
وقد تركت المتغيرات والتفاعلات الجارية في الإقليم، منذ زهاء الخمس سنوات تقريباً، "تأثيراً وازناً في مسألة تفاعل وسائل الإعلام مع الأحداث الجارية في الأراضي المحتلة"، وذلك وفق خلاصة مناقشات جادّة لأكثر من 620 إعلامياً مشاركاً من 52 دولة ممتدة حول فضاءات العالم، ضمن سياق أحد أبرز أنشطة منتدى فلسطين الدولي للإعلام والاتصال "تواصل".
ويستقيم هذا الحال، بالنسبة لمؤتمر "فلسطين في الإعلام: فرص وتحديات"، "تواصل2"، الذي استمر لأيام منذ 18 أيار (مايو) الحالي في اسطنبول، مع "الانتفاضة"، التي "عكسّت الهوّة العميقة في التغطيّة الإعلامية لحيثياتها اليومية الداميّة"، وفقاً للمنتدّين في المؤتمر.
وإذا كانت "الانتفاضة"، بحسبهم، قد "أسهمت، إلى حدّ ما، في استعادة القضية الفلسطينية لمكانتها ضمن مساحة الاهتمام العربي والدولي، بعدما أحيت حراكاً عربياً ودولياً كان مفقوداً"، إلا أنها تراجعت أمام قضايا الدول المحلية، نظيرّ الأزمات البنيّوية العميقة التي تكشفت حدّتها مؤخراً.
ويأتي ذلك وسط العدوان الإسرائيلي المتواصل ضدّ الشعب الفلسطيني، والذي "امتدّت جرائمه حدّ غياب مشاركين فلسطينيين من قطاع غزة عن المؤتمر بسبب حصار الاحتلال المحكمّ"، وفق الأمين العام "لمنتدى فلسطين الدولي"، هشام قاسم.
وأمام هذا الواقع الراهن؛ كان لا بد من رسمّ سياسة إعلامية متكاملة ومساندة للقضية الجوهرية الأساسية في مسار الصراع العربي- الإسرائيلي، كما قال قاسم، بحيث تستهدف "كشف المزاعم الصهيونية الدينية والتاريخية التي يتم تسويقها عبر وسائل الإعلام، والسعي لدحضّها وتفنيد ادعاءاتها، من خلال رواية عربية فلسطينية واضحة وموحدة"، بحسب رأيه.
ويتركز الأساس الثاني على الفضاء الرقميّ الواسع، الذي يعدّ، وفقاً لقاسم، "فرصة متاحة لمؤيدّي القضية الفلسطينية لتجاوز الفارق الهائل في الإمكانيات مع الاحتلال الصهيوني"، عدا، كأساس ثالث، تشجيع الفئة الشابة على استلال الميدان الإعلامي "الجديد" لنشر الرؤى الداعمة للقضية الفلسطينية العادلة"، باعتبارها أبرز محاور المنتدى، التي تضمنتها عناوين المؤتمر وندواته الأربع وورش عمله الست، على مدى أيام.
 تغطية إعلامية "باهتة"
ومن هذا المنطلق؛ وقع "المنتدى" اتفاقية تعاون مشترك مع كل من "النقابة الوطنية للصحافة المغربية" و"الفيدرالية المغربية لناشري الصحف"، لخدمة القضية الفلسطينية إعلاميا، على الصعيدين العربي والدولي، وتفعيلها بشكل مكثّف في المملكة المغربية"، وفق قول رئيس الفيدرالية المغربية رئيس مجموعة "الأيام" للصحافة والنشر نور الدين مفتاح.
وقال مفتاح، لـ"الغد" من اسطنبول، إن "الاتفاقية تستهدف التواصل والتنسيق مع المؤسسات الإعلامية المغربية وتزويدها بالمحتوى الإعلامي الهادف لتعزيز الرواية الفلسطينية في مواجهة الأجندة الإعلامية الإسرائيلية المعادية".
وأضاف إن "البرامج الإعلامية، الأكاديمية والتدريبية والتثقيفية، الستة، التي تم الاتفاق على تنفيذها بشكل مشترك، تتناول مضامين الخطاب الإعلامي حول فلسطين وجوانبه الفنية، بهدف زيادة قدرة التأثير الإعلامي على الرأي العام حول القضية الفلسطينية، ومن ثم الخروج بمدونة إعلامية متكاملة يصار إلى نشرها عن طريق المؤسسات الإعلامية المناصرة للحق الفلسطيني".
ورأى أن "انشغال الدول العربية والإسلامية بقضاياها الداخلية قد أسهم في غياب، أو على الأقل، تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية في المشهد الإعلامي العربي"، حيث تتسّم التغطيّة بما سمّاه "بالضعف"، ما "يقلل من إمكانية تأثير منابره في دعم ومؤازرة القضية الفلسطينية"، بحسبه.
واعتبر، مفتاح، أنه "لو اتخذ "الربيع العربي" اتجاهه الصحيح لكان دفعاً رئيسياً للقضية الفلسطينية، ولكن انهيار الدول، كما ليبيا والعراق وسورية واليمن، ألحق الضرر الفادح بها، بينما تسيّر المنطقة نحو المزيد من عدم الأمن والاستقرار".
  الحلقة "المفقودة"
كشفت الجلسات النقاشية للمؤتمر عن عمق الهوّة التي قاربتها وسائل الإعلام حيال الاهتمام بالقضية الفلسطينية، والتي حضرت جلياً منذ اندلاع الانتفاضة.
فوفقاً للكاتب والمحلل السياسي، عزام التميميّ، فإن "العلاقة بين القضية الفلسطينية ووسائل الإعلام العربية تاريخية وثيقة، حيث لعبت الأخيرة أدواراً مؤثرة في فضّح السياسات الإجرامية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي والكشف عن مخططاته الهادفة للقضاء على الإنسان والأراضي الفلسطينية".
وقال، لـ"الغد" من اسطنبول، إن "الإعلام يعدّ من أهم أسلحة الانتفاضة وأحد مقوماتها الأساسية، للاستمرار، والوصول إلى الأهداف المرجوة، لاسيما إذا أخذ بعداً عربياً وأممياً من أجل تحقيق الأهداف النهائية للشعب الفلسطيني، في التحرير وتقرير المصير وحق العودة".
وأضاف التميميّ، الذي يشغل مدير معهد الفكر السياسي الإسلامي بلندن، إن "تغطية بعض وسائل الإعلام العربية في نقل صورة الأحداث الجارية في الأراضي المحتلة، عموماً، يغلب عليها جانب الرصد، بدون بلوغ المستوى المطلوب الذي يتفق مع حراجة اللحظة الراهنة".
ونوه إلى أن "انشغال الدول العربية بقضاياها الداخلية يأخذ المساحة الأكبر من التغطية على حساب القضية الفلسطينية، مما أثر بشكل كبير على الاهتمام بتغطية الأحداث في فلسطين المحتلة والتضامن والتعاطف مع الشعب الفلسطيني، بما يجعل من المستبعد مساهمة الإعلام العربي، بشاكلته الحالية، في دعم الانتفاضة الفلسطينية".
ومن الملاحظ، وفق مراقبين، أن المنابر الإعلامية العربية، رغم عملها على قاعدة التوافق الجمعيّ لمناصرة الشعب الفلسطيني ضدّ العدوان الإسرائيلي، ولكنها تباينت في مسألة "التسمية" بين "الانتفاضة" و"الهبّة" و"حراك الغضب"، وفي الانقسام بين التأييد والمعارضة "لعمليات الطعن التي ينفذها الشبان الفلسطينيون ضدّ عدوان قوات الاحتلال".
كما يحضر التباين حول ما إذا كانت "الانتفاضة" "ضرورة أم خيار"، وسط محاولات التقليل من قدرة "الانتفاضة" على إحداث تأثير "ما" في معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي، وطرح تساؤلات حول أفق مسارها وجدواها عما إذا كانت خطوة نحو إنهاء الاحتلال وتقرير المصير أم تحسين ظروف الاحتلال، أو أداة ضاغطة لتعديل البيئة التفاوضية في ظل المحاولات الأميركية الإسرائيلية الراهنة لتقوّيضها.
 الرواية الصهيونية المزعومة
ويتراءى وهنّ حضور الساحة الفلسطينية المحتلة في المشهد الإعلامي العربي أمام "أدوات الإعلام الصهيونيّ المضادّة، لاسيما في الدول الغربية، حيث الصوت الفلسطيني العربي فيها باهتاً، وبالكاد يتمّ سماعه"، بحسب التميميّ.
واعتبر أن "دعم واسناد الرواية العربية الفلسطينية في مواجهة المزاعم الصهيونية يحتاج إلى التمويل، في ظل امتلاك المواهب صاحبة الكفاءات والعقول النابذة".
ولفت التميميّ في هذا السياق إلى أهمية "الوحدة الوطنية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال"، مما يستدعي، بحسبه، "إنهاء الانقسام، الممتد منذ العام 2007، وإنجاز المصالحة"، بالرغم من أنه يستبعد تحقيق ذلك في الأفق القريب، طالما هناك مشروعان متناقضان في الساحة المحتلة.
وعلى مسار ذي صلة؛ توقف المشاركون في المؤتمر عند لغة الخطاب الإعلامي الإسرائيلي، في مقاربته للأحداث الجارية بالأراضي المحتلة، والحافلة بالعنصرية والعدوانية، عبر وصمّها "بالإرهاب الفلسطيني" و "العنف" و"الهبّة المحدودة"، بخاصة عند المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي ما تزال ترفض اعتبارها "انتفاضة"، ومن خلال نعتّ الفلسطينيين "بالمخربين القتلة" و"المشاغبين" المهاجمين ضدّ "المحاربين الإسرائيليين" المدافعين عن أنفسهم، وفق مزاعمهم.
ورغم مضيّ فترة ليست قليلة على اندلاع الانتفاضة في الأراضي المحتلة، إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية، في غالبية منابرها المقروءة والمرئية والمسموعة، ما تزال تحفل بتلك المسميات الخارجة عن الواقع الميداني، خلال خروج أصوات قلة من داخل عِقر الكيان الإسرائيلي تطالب "بصوابية التعامل مع الأحداث الجارية على أنها انتفاضة ثالثة".
بينما تحصرّ المنابر الإعلامية الإسرائيلية لدوافع الانتفاضة الفلسطينية الحالية ضمن "هدف منقوصّ" ناتج عن "غيابّ الأفق السياسي"، من دون إيراد المسبب الإسرائيلي الأساسي، بطبيعة الحال، مقابل تحميل القيادة الفلسطينية مسؤولية "العنف" بالتحريض عليه وعدم شجبّه"، واعتبار "مشاعر القهّر القومي والاقتصادي والشخصيّ لدى الفلسطينيين من محفزات تنفيذ العمليات في موجة الإرهاب الراهنة"، وفق الرؤية المزعومة التي خرج بها جهاز "الشاباك" الإسرائيلي في تفسيره لمجريات أحداث الأراضي المحتلة.