فلسطين.. 15 عاما من الانقسام والحصار على غزة

بعد مرور 15 عاما، ما زال الانقسام الفلسطيني الداخلي يُلقي بظلاله السلبية على المشهد السياسي، فضلا عن تأثيره الشديد على كافة مناحي الحياة في قطاع غزة. وفي 14 يونيو/ حزيران لعام 2007، سيطرت حركة "حماس" على قطاع غزة، بعد اشتباكات مُسلّحة دارت مع عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية وحركة "فتح" التي يتزعمها الرئيس محمود عباس. ومنذ ذلك الوقت والنظام السياسي الفلسطيني في الأراضي المحتلة يعاني من انقسام، عزّز حالة الفصل الإداري والجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية، والتي أوجدتها إسرائيل. وعلى مدار السنوات الماضية، لم تفلح كافة الجهود التي بذلها وسطاء إقليميون من لمّ شمل الفلسطينيين، وتوحيد صفوفهم. ومع بدء الانقسام، وسيطرة حركة حماس، فرضت إسرائيل حصارا مشددا على القطاع، تسبب في تدهور الأوضاع المعيشية. ** بداية الانقسام اندلعت الشرارة الأولى لحالة الانقسام بعد فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية الفلسطينية لعام 2006، بعدما حصدت غالبية مقاعد البرلمان (76 من أصل 132). ورفضت حركة "فتح" وبقية الفصائل الفلسطينية، المشاركة في الحكومة التي شكلتها "حماس" آنذاك، برئاسة إسماعيل هنية، لغياب التوافق على برنامج سياسي واحد بينهم. واستمرت الخلافات السياسية بين الطرفين إلى حين اتهام حركة "حماس" لـ"فتح"، بمحاولة الإطاحة بحكومتها، من خلال إحداث "مشاكل داخلية وفتان أمني". واستدعت تلك الأحداث تدخل العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، لتهدئة الأوضاع، فتم التوصل آنذاك لاتفاق مكة (فبراير/شباط 2007)، الذي نص على تشكيل حكومة وحدة وطنية. ورغم الاتفاق، إلا أن الخلافات السياسية استمرت بين الطرفين، وتحوّلت في وقت لاحق إلى اشتباكات مسلّحة، انتهت بسيطرة حماس على القطاع في 14 يونيو/حزيران 2007. ** خلافات قديمة لم تكن الخلافات بين حركة "فتح" التي تتبنى منهجا علمانيا و"حماس" التي تتبنى فكرا إسلاميا جديدة، بل تعود إلى فترة انتفاضة الحجارة بين عامي 1987-1994. وخلال تلك الحقبة (الانتفاضة) زادت شعبية وانتشار حركة حماس التي تأسست عام 1987، وباتت منافسا أساسيا لحركة فتح، التي يرجع تأسيسها إلى عام 1965. وعلى إثر قرار "فتح" تبني الحل السلمي للصراع مع إسرائيل على أساس مبدأ حل الدولتين، تفاقمت الخلافات بين الحركتين، إذ تصر "حماس" على اعتماد الكفاح المسلح، طريقا وحيدا لتحرير فلسطين. وزادت حدة التوتر، عقب تأسيس الحكم الذاتي (السلطة الوطنية) عام 1994 حيث رفضت "حماس" وقف عملياتها العسكرية ضد إسرائيل، الأمر الذي اعتبرته "فتح" تهديدا لمشروعها السياسي. وبين عامي (1996-2000)، نفّذت الأجهزة الأمنية الفلسطينية حملات اعتقال واسعة ضد قادة وعناصر "حماس"، إثر تنفيذ الأخيرة سلسلة عمليات ضد إسرائيل، اعتبرتها "فتح" محاولة لتقويض "السلطة الفلسطينية". ** محطات المصالحة وعلى مدار سنوات الانقسام، تدخلت عدد من الدول والأطراف الإقليمية للوساطة بين الحركتين، لتقريب وجهات النظر والتوصل إلى حل يُفضي لتحقيق الوحدة الوطنية، ورغم توقيعهما لاتفاقيات في هذا الإطار، إلا أن تنفيذها لم يرَ النور. ورصدت وكالة الأناضول أبرز هذه الاتفاقيات: - اتفاق القاهرة (2012) تم توقيعه في مايو/ أيار 2012، بالعاصمة المصرية، ونصّ على بدء مشاورات لتشكيل حكومة التوافق الوطني. - إعلان الدوحة (2012) تم توقيعه في فبراير/ شباط 2012، بالعاصمة القطرية، ونصّ على رئاسة محمود عباس للحكومة الانتقالية المقبلة، التي ستشكل من كفاءات ومهنيين ومستقلين، والتجهيز للانتخابات. - لقاء عباس - مشعل (2013) تم عقده في 9 يناير/ كانون الثاني، بالقاهرة، وجمع الرئيس عباس، مع الرئيس السابق لحركة حماس خالد مشعل، واتفقا خلاله على تنفيذ الاتفاقيات السابقة. - اتفاق الشاطئ (2014) تم التوصل إليه في منزل "هنية" بمخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، ونصّ على تشكيل حكومة توافق وطني وتفعيل المجلس التشريعي وإصلاح منظمة التحرير، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني خلال ستة أشهر. - اتفاق القاهرة (2017) تم توقيعه في أكتوبر/ تشرين الأول، بالقاهرة، ونص على إجراءات لتمكين حكومة التوافق الوطني التي تم تشكيلها عام 2014، وضمان ممارسة مهامها والقيام بمسؤولياتها في إدارة شؤون غزة، كما في الضفة مع تحديد سقف زمني لذلك، والعمل على إزالة كافة المشاكل الناجمة عن الانقسام. - اجتماع بيروت (2020) اجتمع الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية في سبتمبر/ أيلول بمدينتي رام الله وبيروت اللبنانية، بشكل متزامن، واتفقوا على تحقيق الوحدة الوطنية وإعادة ترتيب البيت الداخلي، وتشكيل لجنة تقدم رؤية استراتيجية، خلال 5 أسابيع، لتحقيق إنهاء الانقسام، وتشكيل لجنة وطنية لقيادة المقاومة الشعبية الشاملة. - المرسوم الرئاسي للانتخابات (2021) أصدر الرئيس عباس في يناير/ كانون الثاني، مرسوما حدد فيه السقف الزمني لإجراء الانتخابات الثلاثة، بحيث يتم إجراء الانتخابات التشريعية في 22 مايو/ أيار، والرئاسية في 31 يوليو/ تموز، والمجلس الوطني في 31 أغسطس/ آب لعام 2021، لكنه أصدر مرسوما آخرا في أبريل/ نيسان من ذات العام يقضي بتأجيل الانتخابات، دون تحديد المدة. ** تداعيات الانقسام يقول مصطفى إبراهيم، الكاتب والمحلل السياسي، إن تداعيات استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، ما زالت تُلقي بظلالها الخطيرة على القضية، ومجمل عموم الفلسطينيين سواء في غزة أو الضفة أو الشتات. وأضاف إبراهيم، في حديثه لوكالة الأناضول، إن هذا الانقسام أثر على شكل النظام السياسي الفلسطيني، وأفضى إلى وجود سلطتين واحدة في غزة والثانية في الضفة. ويوضح أن القرارات التي صدرت عن الحكومتين في غزة والضفة "مسّت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمنظومة القضائية والقانونية". وذكر أن اختلاف المنظومة القضائية والقانونية في الضفة وغزة أثر على تطبيق وتنفيذ القوانين، إذ أن قوانين الضفة لا تسري على غزة والعكس تماما. واستكمل قائلا: "شرّعت كتلة التغيير والإصلاح (كتلة حماس البرلمانية) بغزة عشرات القوانين التي لا تسري على الضفة". كما أضر الانقسام، بحسب إبراهيم، بـ"سمعة القضية الفلسطينية، والمشهد الفلسطيني العام". ويقول إبراهيم في هذا الصدد: "المشهد الفلسطيني الإنساني العام، خاصة في قطاع غزة، مأساوي، حالة الاستعصاء السياسي أثرت على كافة مناحي الحياة". ** الحصار على غزة عقب سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، فرضت إسرائيل حصارا مشددا عليه، عدّته مؤسسات حقوق الإنسان، شكلا من أشكال العقاب الجماعي. ويقول المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن إسرائيل أعلنت قطاع غزة عقب سيطرة "حماس" عليه "منطقة مغلقة"، وقررت فرض عقوبات مشددة وقيود على دخول الوقود والبضائع وحركة المواطنين. وتسبب الحصار، في "تفاقم حالة التدهور الاقتصادي، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة"، ووصلت نسبتي البطالة والفقر إلى 50 بالمئة على التوالي، بحسب إحصائيات صادرة عن مؤسسات حقوقية.-(الاناضول)اضافة اعلان