فلسفة الهندسة المالية الإسلامية الابتكار والإبداع

غسان الطالب*

عند الحديث عن الهندسة المالية الإسلامية، فإن المعني بها الأنشطة كافة التي تقوم على مبدأ ابتكار أدوات مالية وتمويلية جديدة وتطوير أدائها وابتكار وسائل وحلول جديدة لمواجهة مشاكل تطبيقها، وكذلك إدارة العناصر التمويلية بما يتلاءم مع الشريعة الإسلامية والضرورة الاقتصادية لذلك.اضافة اعلان
ففي السنوات الأخيرة من القرن الماضي إلى الوقت الحالي، مرّ العالم بمحطات مهمة توقف عندها خبراء المال والصيرفة لدراسة آثارها الاقتصادية والاجتماعية والتي تمثلت في ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والأزمة الاقتصادية العالمية الحالية؛ إذ أوجدت حالة من عدم التكافؤ بين مؤسسات المال الإسلامية ومثيلاتها التقليدية وخاصة في أسواق التمويل والخدمات المالية والمصرفية المحلية والعالمية، ما أدى إلى تغير نمط إدارة الموارد الاقتصادية وتحويلها إلى نمط اقتصاد السوق؛ حيث برزت تحديات تنافسية غير متكافئة.
هنا يظهر دور الهندسة المالية، ليس فقط في توفير البدائل للمنتجات المالية التقليدية بل يتجلى في الابتكار والإبداع والتطوير للمنتجات المالية الإسلامية، وهذا يتطلب وجود مؤسسات مالية إسلامية قادرة على توظيف فلسفة الهندسة المالية وتحويلها إلى وسيلة حقيقة للابتكار والإبداع وتضمن لها التميز في تسويق منتجاتها المالية بهدف كسب المنافسة مع المؤسسات التقليدية، خاصة وأن الأزمة المالية العالمية أظهرت الخلل في المؤسسات المالية التقليدية وانعكاسات ذلك على الاقتصاد العالمي، وأعاد ذلك شيئا من الثقة لدى المؤسسات المالية الإسلامية على القدرة التنافسية في أدواتها المالية المتبعة وعدم تأثرها الكبير بنتائج الأزمة العالمية.
وحتى تؤدي الهندسة المالية دورها المنشود، لابد وأن تتوفر لها المتطلبات الضرورية مثل المعرفة بالسوق وحاجاته الأساسية من قبل المؤسسات المالية الإسلامية وكذلك الإفصاح المرتبط بالشفافية؛ أي كل ما يعني البيانات التي يمكن أن تؤديها الأدوات التي تم ابتكارها أو تطويرها وأخيراً وجود إمكانيات رأسمالية تمكنها من تداول أدائها بيعاً وشراء ضمن ضوابط الشريعة الإسلامية والملتزمة بالأسس العامة مثل تحريم الربا وحرية التعاقد على اعتبارها ذات كفاءة اقتصادية منسجمة مع الفلسفة الإسلامية الرافضة لكل أشكال التعامل في الربا أو ما شابه ذلك.
ومع قناعتنا الكاملة أن قطاع الصناعة المالية الإسلامية ما يزال أمامه تحديات جمة للانتقال الى مراحل متقدمة لتطوير وتجديد منتجاته المالية بالشكل الذي يساعده على تحقيق قدر من المنافسة في السوق المصرفية العالمية، هذا من جانب، ومن جانب آخر حتى لا يوصلنا الأمر الى حالة من الجمود تسهم في خنق روح المبادرة والإبداع التي نسعى اليها في الصناعة المالية والمصرفية الإسلامية، والوصول الى تحقيق الرخاء الاقتصادي والمتانة المصرفية، في الوقت الذي ما تزال فيه العديد من مؤسساته المالية والمصرفية تعتمد على البحث عن البديل لكل منتج مالي يظهر في المؤسسات المالية التقليدية، وهذا من شأنه أن يعيق عملية التطوير المنشودة والتي نسعى من خلالها لإيجاد مبتكرات مالية بهوية إسلامية تلبي حاجات عملائها كافة سواء في مجال الاستثمار أو حاجتهم للتمويل، هذا من جانب، ومن جانب آخر للسعي لكسب المزيد من الحصة السوقية في الأسواق المالية العالمية.
والخلاصة فيما سبق يمكن القول إن الهندسة المالية تعد نمطاً لأسلوب التمويل الإسلامي الذي يهدف إلى تحقيق الكفاءة في المنتجات المالية وتطويرها بما يتلاءم والاحتياجات المالية المتعددة والتي تتصف بالتجديد، وتبرز أهميتها اليوم كونها تمثل علاقة توازنية بين أهداف مختلفة عدة يمكن استيعابها بواسطة الأدوات المالية المبتكرة ضمن الضوابط الشرعية والأهداف الاقتصادية ووجود مؤسسات مالية ومصرفية فاعلة تنفذ ذلك.

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي