فلنستعمر فلسطين.. ولم لا…؟

علاء الدين أبو زينة يعرض رئيس وزراء العدو الصهيوني العائد، بنيامين نتنياهو، نفسه في ثوب «مقاتل من أجل الحرية»، ومنظّر ومناضل في حركة إنهاء الاستعمار. وكما لاحظت الصحفية في :مجلة 972+»، ناتاشا روث رولاند، فقد أكد نتنياهو في مقابلتين أخيرتين أنه ليس الفلسطينيون هم ضحايا استعمار صهيوني على مدى 75 عامًا، وإنما اليهود هم الذين كانوا في الواقع ضحايا، تاريخيًا، لاستعمار عربي طويل. في حديث إلى دار النشر اليمينية «سيلا مئير» التي سبق وأن نشرت مذكراته، أكد نتنياهو أن أصل اليهود في أرض إسرائيل يشبه أصل «الهنود الحمر… (و) الأفارقة قبل أن يأتي البلجيكيون… (و) الإندونيسيون قبل أن يأتي الهولنديون». واليهود، في رأيه، هم «الأصليون» الذين كانوا آمنين في فلسطين، قبل أن يأتي الغزاة العرب ويستولوا على أرضهم ويطردوهم منها. وبذلك، لا يكون عنف الكيان الصهيوني ومجازره وتقتيله اليومي ومصادراته وممارساته، في رأيه، سوى ممارسة لحق شعب مستعمَرة في التخلص من استعمار الفلسطينيين، الذين لا حق لهم في المطالبة بأرض ولا بشيء. ثم، في مقابلة مع جوردان بيترسون، عالم النفس الكندي المحافظ، يدعي نتنياهو أن العرب لم يكتفوا بكونهم قد غزوا اليهود في وطنهم، وإنما تفوقوا في الوحشية على الرومان والبيزنطيين، الذين حكموا فلسطين سابقاً. ويقول إن الإمبراطوريات السابقة «فعلت لنا الكثير من الأشياء السيئة»، لكنها «لم تنفينا حقًا، على عكس ما يعتقده الكثير من الناس». كان بسبب الفاتحين العرب أن «فقد اليهود وطنهم». ويضيف: «كان العرب هم المستعمِرون، واليهود هم السكان الأصليون». حسب التوراة نفسها، كان الشعب الأصلي في فلسطين قبل 1460 من الميلاد هم الكنعانيون. ولم يُقم بنو إسرائيل أي كيان يعتد به في فلسطين وكان وجودهم قصيراً وطارئًا. وفي حين وجدت الحفريات الأثرية أدوات فلسطينية من العصر البرونزي، فإنها لم تجد أي أثر لليهود في فلسطين. وليس مفهومًا كيف يزعم الصهاينة أنهم أصحاب فلسطين، وكأنهم أول شعب خلق فيها مع خلق العالم، أو أنها كانت خالية وجاءوا إليها مع موسى وأخذوها إلى أن غزاها العرب المسلمون ونفوا اليهود منها. ويروي التاريخ أنه سُمح لليهود في أعقاب الفتح الإسلامي فقط بالعودة للعيش في القدس بعد قرون من إقصاء الرومان لهم من هناك، كما تشير ناتاشا روث. وفي حين يقول نتنياهو إن العرب/ الفلسطينيين استعمروا فلسطين، تصر نظريته الصهيونية على أن اليهود المعاصرين جاءوا إلى أرض قاحلة خالية من السكان، بمعنى أنه لم يكن فيها مستعمِرون ولا مَن يحزنون، وأنها هُجرت لسبب ما غير معروف مع كل مقومات العيش والمقدسات التي فيها، لكي يأتي «المحرّرون اليهود» ويعمروها! في الحقيقة، ليست هذه الروايات المتناقضة غريبة على مشروع استعماري-استيطاني غير أخلاقي في الخطاب والممارسة. بل إنها تجسيد منطقي لتماهي الاستعمار مع روايته الزائفة التي يبيعها بالقوة، والتي لا يمكن أن تصبح كاسدة إلا بصعود سرد مقابل من يمتلك أدوات القوة أيضاً. وبصفة العرب والفلسطينيين مهزومين، فإن سردهم مهزوم حتى أمام هذر من النوع الذي يعلنه نتنياهو بلا خجل. عندما تعترف القيادة الفلسطينية الحالية، ومن ورائها الدول العربية، بحق إسرائيل في الوجود في أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين التاريخية على حساب أصحابها الفلسطينيين، فإنها تؤكد فقط رواية نتنياهو عن «الاستعمار العربي/ الفلسطيني» لفلسطين وتُسكت السرد الفلسطيني. وفي الحقيقة، لا يمكن أن تبرر أي ذرائع، أو منطق مختلق، أو مصلحة عملية متصورة، أو أي نزاهة أو صدق مع الذات والآخرين، تكذيب الرواية الفلسطينية بلسان أصحابها – وبالتالي تجريد الفلسطينيين من الدعم التاريخي الضروري لإظهار شرعية مقاومتهم وسعيهم إلى تحرير وطنهم. في حين لا يخجل نتنياهو والصهاينة من كل طيف لا من قول إن «بلدهم» استُعمر قبل ثلاثة آلاف سنة وأنهم يحررونه من الاستعمار الفلسطيني، ليس مفهومًا كيف يقول زعيم الفلسطينيين المولود في فلسطين العربية (قبل الكيان بثلاثة عشر عامًا): «فلسطين الآن في نظري هي حدود 67 والقدس الشرقية عاصمة لها. هذا هو الوضع (الآن) وإلى الأبد… أعتقد أن الضفة الغربية وغزة هي فلسطين والأجزاء الأخرى هي إسرائيل». هكذا لدينا خطابان، واحد وقح عنيد برغم تهافته، وواحد مستسلم هازم للذات وانتحاري وجوديا برغم قوته البنيوية. ولن يكون للفلسطينيين أي أمل في التقدم خطوة قبل من الرواية المهزومة ورواتها، واستعادة سردهم الوطني الحقيقي ودعمه بالكفاح العنيد وكل أدوات القوة. إنهم يحتاجون، كمسألة وجود، إعادة «استعمار» فلسطين. في النهاية، إذا كان الخيار بين أوصاف «مستعمِر» و»إرهابي» و»عديم الجنسية»، فإن «المستعمِر» هو الأكثر هيبة على الأقل – والأقدر على إعادة تسمية نفسه. المقال السابق للكاتب “استشراق” مونديال قطر..!اضافة اعلان