فلنكف عن التلاوم!

يقول الكاتب الإنجليزي الشهير جورج أورويل: "هل من سلاح اخترعه البشر يمكن أن يماثل في قسوته بعض الأمراض المعروفة؟!". ويزيد من ألم هذه الأمراض إذا ما اعتقد الإنسان بمسؤوليته عن إصابته بها.اضافة اعلان
نبالغ أحيانا في حملاتنا التوعوية، بالتذكير بما يجب فعله أو الابتعاد عنه لتجنب مرض السرطان؛ ماذا نأكل، وماذا نشرب، كما العادات السيئة التي يجب الابتعاد عنها، والمواد الكيماوية التي نتعامل معها... وهذه النصائح رغم وجاهتها، إلا أنها تعطي الناس انطباعا أنه بالامتثال لها يمكنهم الإفلات من خطر الإصابة بالسرطان.
وهذا ما يدفع بعض المصابين إلى الانكفاء على الذات لوما وتقريعا، محملين أنفسهم وزر ما ألمّ بهم! إذ تشير الدراسات إلى أن معظم المرضى يطرحون على أنفسهم سؤال: "لماذا أنا؟". وهذا السؤال هو المدخل إلى جلد الذات، واتهامها بالتقصير. ولا تقتصر هذه الممارسة على المريض، وإنما تتعداه لتشمل معارفه. وهناك اعتقاد راسخ لدى كثيرين بأن الأشياء السيئة لا تحدث إلا للناس السيئين؛ فإذا ما حصلت للطيبين، وأي منهم معرض لها، فإنهم يبحثون تلقائيا عن سبب أو فعل قد يكون مارسه هذا الشخص جعله يصاب بالمرض.
من الأهمية بمكان أن يحاول الإنسان اتباع أسلوب حياة صحي ما استطاع إلى ذلك سبيلا. لكن يجب أن لا يغيب عن باله أن أسلوب حياته مهما اقترب من درجة الكمال، لن يشكل ضمانة لعدم إصابته بالمرض. فرغم التطور الهائل الذي بلغه الطب، ما تزال نسبة كبيرة من الأمراض، بما فيها السرطان، تحدث من دون سبب معروف للإنسان. وحتى تلك الأنواع من السرطان التي يمكن تجنب حدوثها إلى حد كبير بتغيير نمط حياتنا، مثل سرطان الرئة، لا يمكن حصر مسبباتها في هذه العوامل فقط، وإنما هي نتاج تفاعل عدد من العوامل مجتمعة.
قد تعني الكثير للعلماء والمختصين النسب المئوية والأرقام المستقاة من الدراسات. لكنها لا تعني كثيرا لشخص تم تشخيصه بالإصابة بالسرطان؛ فاحتمالية الإصابة بالنسبة له 100 %، ولن تعنيه كثيرا بقية الأرقام.
وحريّ بنا نحن الأطباء الابتعاد عن توجيه النصائح لمرضانا بأثر رجعي؛ إذ لن تؤدي هذه النصائح إلا إلى مزيد من الشعور بالذنب، بما يضيف عبئاً وألما نفسيا لن يكون أخف وطأة من الآلام الجسدية التي يعاني منها هؤلاء المرضى. كما يجب أن تصاغ رسائلنا الصحية بطريقة مفهومة، بحيث توجّه بشكل واضح؛ وهو أن ما نقوم به من احتياطات يهدف إلى التقليل من احتمالية الإصابة، وليس منع حدوثها.
أنا أؤمن بشدة بأهمية الكلمة والمعلومة كوسيلة مهمه لتثقيف الناس، وأحيانا تغييرهم. لكن إلى أي مدى يمكن أن تؤدي هذه المعلومات إلى وصم المصابين بمرض ما، وربما الحد من تعاطف الناس معهم، وذلك باتهامهم بالتسبب بالضرر لأنفسهم؟