فهد الخيطان يكتب: الثلاثاء الأردني الكبير!

الدولة، بكل مؤسساتها المدنية والعسكرية، أمام تحدي "الثلاثاء الكبير" ومعادلته الصعبة؛ كيف تؤمن عشرة ملايين نسمة يعيشون على هذه الأرض بالأغذية والأدوية، مع استمرار حظر التجول، ومن دون تكرار مشاهد التهافت على الأسواق الخميس الماضي.اضافة اعلان
يوم إعلان حظر التجول الشامل، صرحت الحكومة بأنها ستسمح للمواطنين بقضاء حاجياتهم من الأسواق يوم الثلاثاء "اليوم" ضمن أوقات محددة يعلن عنها في وقت لاحق.
بعد مرور 48 ساعة على هذا القرار، تراجعت خلية الأزمة عن خططها، وأعلنت عن نيتها تبني خطة بديلة تقوم على تشغيل المخابز ومراكز التموين والصيدليات، وتوصيل احتياجات المواطنين إلى منازلهم من دون السماح لهم بالخروج.
مبرر هذا التوجه، هو التحسب والقلق من تهافت الآلاف على المخابز والمراكز التجارية واختلاطهم، ما يزيد من خطر انتقال الفيروس وانتشاره بين الناس، وكأننا بذلك نقوض كل جهود مكافحته، ونهدر مكاسب حظر التجول.
لكن سؤال المليون، كيف نحقق ذلك بأيسر الطرق، ونضمن في الوقت نفسه تحقيق الغاية المنشودة بعدالة وإنصاف لجميع المواطنين؟
بعد نقاش انخرط فيه ملايين الأردنيين على مواقع التواصل الاجتماعي، تبارز المختصون والخبراء والساسة في عرض اقتراحاتهم، تبلور ما يشبه التوافق العام على خيار "الديلفري"، ومن المفترض أن تكون خلية الأزمة قد أعلنت عنها يوم أمس "الاثنين".
مزيج من الوسائل المقترحة لتأدية الخدمة تتنوع بين اعتماد سيارات التكسي الأصفر والتطبيقات الذكية، وعربات نقل الغاز والخضار، توظف كلها لنقل المواد والطلبات للمواطنين في منازلهم.
للوهلة الأولى تبدو المسألة ممكنة، لكن في التنفيذ ستواجه بتحديات كثيرة، أهمها عامل الوقت. بمعنى آخر اعتماد خيار "الديلفري" يتطلب في بدايته يومين كاملين على الأقل من العمل لنضمن تغطية جميع مناطق المملكة ووصول الطلبات إلى جميع الأسر في منازلها. وقائمة الطلبات هنا ليست مقتصرة على الاحتياجات الأساسية فقط، فللمستهلكين أمزجة وخيار فيما يطلبون من أنواع وكميات وماركات تجارية، تحتاج لجيش من العاملين لتلبيتها وتجهيزها وتغليفها ثم نقلها.
بعد جولة أولى حاسمة وممتدة، يمكن أن يبدأ نظام التوصيل بالاستقرار والعمل بقدر أقل الضغط.
كما يحتاج النظام إلى أسطول ضخم من المركبات وسيارات النقل، تفوق حمولتها قدرة السيارات الصغيرة. إن تلبية طلبات بناية تسكنها عشر أسر، تحتاج لسيارة نقل متوسطة كالبكبات أو باصات "الفان" المتوسطة.
وفي المدن الكبرى كعمان والزرقاء وإربد، يتعين وجود إطار تنظيمي دقيق للعملية؛ إذ من غير المستبعد أن نشهد ولادة أسواق سوداء يتحكم فيها تجار أو أصحاب وسائط نقل يوزعون الطلبات وفق مزاجهم أو مقابل مادي مضاعف لسعرها.
وهناك إشكالية أخرى ستواجهنا في التطبيق، تتعلق بكلفة التوصيل والجهة التي ستتحملها. بالنسبة للمواطنين يبدو صعبا في مثل هذه الظروف الاقتصادية تحمل كلف إضافية.
في المحصلة، لا يملك أي أحد فينا حلا سحريا لهذه المعادلة الثقيلة؛ إذ لم نتخيل كمواطنين يوما مواجهة مثل هذا التحدي، كما أن مؤسساتنا لم تتحوط من قبل لسيناريو كهذا. وهذه ليست حالة استثنائية، فالعالم كله لم يتوقع يوما أن ما نشاهده في أفلام السينما عن كوارث صحية تضرب كوكب الأرض ستتحول إلى حقائق نعيشها ونكابدها في هذا الزمن.