فهد الخيطان يكتب: الملك يصنع الفارق

مثلت أزمة كورونا اختبارا تاريخيا للدول والمؤسسات، وقبل ذلك للقادة. المواقف والقرارات التي اتخذها زعماء الدول في بداية ظهور الفيروس وانتشاره، هي التي حددت مصير المواجهة في وقت لاحق، وحجم الخسائر البشرية، وقدرة أنظمة الدول الصحية على الصمود والاستجابة.اضافة اعلان
تابعنا بدهشة بالغة مواقف مستهترة من قبل رؤساء دول متقدمة وعالم ثالث، خلفت فاجعة إنسانية على شعوبهم لا مثيل لها منذ زمن الحرب العالمية الثانية. وفي بعض الحالات كبريطانيا حاليا، يكاد رئيس وزراء بوزن شعبي ثقيل أن يدفع حياته ثمنا لعدم اكتراثه بالجائحة العالمية.
بعد عقدين من الحكم، طور الملك عبدالله الثاني حسا متقدا تجاه الأزمات القائمة والمحتملة، ربما لكثرة ما واجه من تحديات جسام منذ أن تولى سلطاته الدستورية.
يذكر الجميع موقفه المبكر من الإرهاب في العالم بعد ساعات قليلة على هجمات 11 أيلول (سبتمبر) في الولايات المتحدة الأميركية. كان أول قائد عربي ومسلم يعلن وقوفه في خندق الإنسانية ضد الإرهاب. هذا الموقف منح الأردن مكانة عالمية رفيعة وجلب احتراما كبيرا في أوساط الرأي العالم العالمي والدولي.
مخاض الربيع العربي كان مثالا آخر يجسد ميزة القائد في التقاط اللحظة التاريخية وتوجيهها بما يخدم مصالح بلده وشعبه.
أزمة كورونا، كانت معركة من طراز مختلف، عنوانها حياة المواطنين وصحتهم التي تتقدم على كل الحقوق. وكان عامل الوقت فيها حاسما، رغم النقص الكبير في المعلومات حول الفيروس المستجد والتضارب في تقديرات خطورته. استجابة الملك كانت مذهلة بحق، انحاز منذ البداية للمعرفة والعلم، وأدرك المخاطر المترتبة على التردد والتأخر في التحرك العاجل، وسارع إلى توجيه الحكومة والمسؤولين لاتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الخطر القادم بعد الانتشار السريع للفيروس في دول العالم.
بمعنى آخر تولى القيادة المباشرة للأزمة قبل وصول الفيروس للأردن، وأشرف على تفاصيل خطط الطوارئ والجاهزية الطبية وإدارة السيناريوهات المحتملة لأسوأ الاحتمالات. مزيج من الخبرة القيادية والعسكرية، والحس الرفيع بالمسؤولية الوطنية، والدراية الكاملة بكل المستجدات العالمية من حولنا، وظفها على نحو خلاق لبلورة نموذج أردني مميز لإدارة الأزمة وضمان اجتيازها بأقل قدر ممكن من الخسائر.
المنخرطون في إدارة المواجهة بمركز الأزمات كانوا في وضع لا يسمح لهم بتجاهل أي تفصيل، لأن جلالة الملك لا يهمل صغيرة ولا كبيرة، ويتابع معهم في سلسلة الاجتماعات المنتظمة عبر تقنية الاتصال المرئي والمباشر أحيانا، ما لا يخطر على بالهم من شؤون يومية تعني حياة المواطنين وصحتهم ومعيشتهم.
وبينما كان الملك يتولى التوجيه الاستراتيجي لخلية الأزمة، فاجأ الجميع بظهوره الميداني الذي لم ينقطع رغم المخاطر المترتبة للتواصل المباشر، وليس في ذهنه سوى الوقوف على تأمين المخزون الاستراتيجي للأردنيين من السلع والمواد الغذائية لأطول فترة زمنية ممكنة.
لقد كان كل واحد منا يركض في الأسواق لتوفير حاجة أسرته الصغيرة من المواد التموينية في أيام الحظر الطويلة، بينما الملك يتحرك على المستويين الداخلي والخارجي لتأمين أسرة مكونة من عشرة ملايين إنسان بكل ما تحتاجه من غذاء ودواء وعلاج لأشهر طويلة مقبلة. ومع كل يوم يمضي من أيام الأزمة، كان يطور الملك من أجندته ويستخلص دروسا جديدة تفيد ببناء سياسات مستدامة لعل أهمها على الإطلاق دعوته المبكرة لإعادة الاعتبار للإنتاج الوطني؛ الصناعي والزراعي، وتوظيف الأزمة الحالية لزيادة صادرات الأردن من الصناعات التي تشهد طلبا عالميا في ظروف الأزمات.
في الأزمات الكبرى، القيادة هي التي تصنع الفارق، وقد فعلها الملك بامتياز.