فهد الخيطان يكتب: فيروس كورونا ونظرية المؤامرة

عندما أفاق العالم على انتشار فيروس كورونا المستجد في الصين،حصرا دون غيرها، سادت على نطاق واسع نظرية شعبوية مفادها أن الولايات المتحدة الأميركية تقف خلف مؤامرة مرسومة بدقة لضرب الاقتصاد الصيني المنافس الأكبر لها.اضافة اعلان
كان لهذه النظرية حضور شعبي واسع ليس في عالمنا العربي المسكون بالمؤامرات، بل في أوساط عالمية، ووجدت الفكرة منظرين لها في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل الأمر بخبراء يعملون في مراكز أبحاث إلى تبنيها مع عدم توفر أي دليل يدعمها.
بعد أقل من شهر على ذلك، اهتزت أركان نظرية المؤامرة الأميركية على الصين، والسبب أن الفيروس بدأ بالانتشار سريعا في دول أوروبا الغربية ومن ثم في الولايات الأميركية وضرب بقوة تفوق ماحصل في الصين.
تلعثم منظرو المؤامرة ولم يجدوا تفسيرا لما يحدث, لكن تيار الرئيس الشعبوي في الولايات المتحدة دونالد ترامب، التقط الفكرة وبدأ بالترويج لنظرية المؤامرة الصينية ضد أميركا.
ترامب وفريقه الدعائي حاولوا تبرير تأخر الإدارة في الاستجابة لخطر انتشار الفيروس باتهام بكين ومن بعدها منظمة الصحة العالمية بإخفاء المعلومات المتعلقة بالوباء وعدم اطلاع دول العالم عليها.
ترامب شخصيا ذهب إلى أبعد من ذلك واتهم الصين بتصنيع الفيروس في مختبرات مدينة ووهان، وفشل السيطرة عليه ما أدى لانتشاره في دول العالم.
كان ترامب يكيل هذه الاتهامات في سياق عرض مسرحي هزيل يقدمه يوميا بلغ حد الترويج لاستخدام حقن المطهرات للقضاء على الفيروس في أجسام الأميركيين.كان هذه قمة المسخرة التي يروج لها شخص يقود أقوى بلد في العالم.
الدوائر الاستخبارية الأميركية فحصت اتهامات ترامب للصين ولم تجد أي دليل يؤكدها، فيما أصر الرئيس على أنه يملك شخصيا دليل الإدانة الدامغ!
خبراء الأوبئة حول العالم أجروا دراسات معمقة حول نظرية المؤامرة الصينية وكذلك المؤامرة الأميركية ولم يصلوا لنتيجة أبدا، لا بل أن بحثا لمركز مرموق حسم بالقول إن الفيروس المستجد لا يمكن تصنيعه في المختبرات، وهو نتاج طبيعي لسلسلة طويلة من نفس الفصيلة تنتقل من الحيوانات والطيور للبشر.
لايمكن لشخص غير سوي مثل ترامب أن يقف امام الحقائق العلمية ويسلم فيها، أما بالنسبة لعموم البشر في العالم فإن حالة الإنكار لأصل الفيروس وظروف نشأته مردها عدم قدرتهم على تحمل الوقائع المؤلمة ورفض الاعتراف فيها، حتى عندما تتراكم الأدلة أمام أعينهم. ولهذا السبب ما يزال الكثيرون حول العالم في حالة إنكار ويصرون على ترديد نظرية المؤامرة لأنها المخرج الوحيد مما عصف بهم جراء أزمة جعلتهم سجناء منازلهم وقضت على أعمالهم، ودمرت اقتصادهم.
أنا لا أستبعد نظرية المؤامرة تماما من التحليل، لكنها ليست صينية ولا أميركية،إنها مؤامرة البشر على الطبيعة، وها قد جاء الوقت الذي تسدد في"أمنا الأرض" ثمن استهتار البشر بمواردها وخيراتها، واستنزاف مناخها والإفراط بتسخيرها لخدمة المصالح الاقتصادية المتوحشة.
الأرض والطبيعة من حولنا تعبر عن غضبها من البشر بموجات من التحذير القاسية، تأتينا على شكل فيروسات خبيثة، وهبات مناخية قاسية تعصف بفصول السنة.
باختصار، الأم تعاقب أطفالها.