فهد الخيطان يكتب: وللحظر مكاسب وفوائد

حملت تجربة الأردنيين مع حظر التجول "الجزئي" سلوكيات غير مسبوقة منذ عقود طويلة، يمكن وصفها بالحميدة والإيجابية.
الخروج من المنازل في الفترة ما بين الساعة العاشرة صباحا وحتى السادسة مساء فرض على المواطنين ممارسة رياضة المشي. كل يوم نشاهد الآلاف يجوبون شوارع العاصمة والمدن سيرا على الأقدام، ولمسافات طويلة أحيانا، بعد سنين طويلة من التنقل بالمركبات.اضافة اعلان
ربما يكون البعض قد عانى التعب في البداية، لكن مع مرور الوقت، استعاد كثيرون لياقتهم البدنية، خاصة وأن أيام الحجر المنزلي حملت معها خطر زيادة الوزن ومضاعفة المعاناة من الأمراض المرتبطة بالسُمنة.
التسوق مشيا على الأقدام، ساعد الكثيرين على تجاوز هذه المخاطر،لا بل والتقليل من الآثار السلبية لمن يعانون من أمراض ضغط الدم والسكري والسُمنة.
المشهد غريب بعض الشيء ولم نألفه من قبل. لقد كنا ولزمن طويل نصطف بجانب بعضنا البعض داخل مركباتنا. كنا في الواقع مجرد آلات تسير على الطرقات، اليوم بتنا نشعر بآدميتنا؛ بشرا يمشون على أقدامهم، ويتبادلون التحية عن بعد ويتساوى غنيهم مع فقيرهم في وسيلة التنقل.
توقف حركة المركبات في الشوارع كان له أثر عظيم على بيئة مدننا. لقد تراجعت معدلات تلوث الهواء بشكل ملموس، وبدأنا نشعر بنقاء الهواء الذي نستنشقه في الصباح، خاليا من رائحة البنزين والديزل المحترق.
التلوث السمعي تراجع بشكل كبير، فلا أصوات زوامير إلا مركبات الغاز، ولا هدير الماتورات المتحركة الذي يفسد صباحاتك، ويوتّر أعصابك. تسير في الشوارع وسط هدوء لم تعهده من قبل. فقط حركة البشر الدافئة من حولك، فلا أصوات لأبواق سيارات الباعة المتجولين، أو شاحنات البضائع.
على العموم بتنا نعيش في أحياء وشوارع بلا ضجيج، حتى العصافير صارت تغرد فترة أطول في الصباح.
وفي تجربتنا مع التسوق أيام التهافت الماضية، استعدنا ثقافة الطابور والتزام الدور الطويل من غير تزاحم أو تعد على حقوق الآخرين.
المعركة الشرسة مع فيروس كورونا، عززت لدينا قيم الوقاية الصحية والنظافة الشخصية. ليس بالأمر الهين أن يتوقف الناس هنا وفي عموم العالم عن مصافحة بعضهم البعض أو التقبيل، ناهيك عن التعود على ارتداء الكمامات في الظروف الاستثنائية، وترك مسافة أمان عند تبادل الحديث. بعض هذه القيم ربما تصمد معنا للمستقبل، وسيكون لها الأثر الطيب في التخفيف من انتقال العدوى في مواسم الإنفلونزا الشتوية.
صحيح أن إغلاق المطاعم والمقاهي يضر بمعيشة عشرات الآلاف من العاملين في هذه القطاعات، وينعكس سلبا على الاقتصاد الوطني. لكن تعطلها عن العمل وخدمة التوصيل المنزلي، خاصة مطاعم الوجبات السريعة، حسن من جودة الغذاء، وساهم في اعتماد المواطنين على الأطعمة الصحية التي تُعَدّ في المنازل. وفي سعي الكثيرين لتجنب زيادة الوزن، يظهر ميل كبير نحو الاعتماد على الخضراوات والفاكهة كبديل غذائي صحي ومفيد لتعزيز مناعة الجسم وتقليل معدلات الكولسترول الضار في الدم.
فرضت علينا الحرب ضد كورونا ظروف حياة استثنائية، لكن فوائد الحجر والحظر والعزل كما تلاحظون ليست كلها بلا قيمة.