فوز مرسي هدية للشعب السوري

لم يكن سرا الغزل المتبادل بين أنصار سفاح دمشق وبين أنصار سفاح القاهرة؛ إذ كلاهما يعبران عن مرحلة مظلمة تستعصي على الانتهاء. فالمسألة لا تحسب بعدد الشهداء، على أهمية كل قطرة دم تسفك، بل بقدسية كل قطرة يستهين بها الطغاة لتثبيت عروشهم الخاوية. فأحمد شفيق كان المسؤول لحظة مجزرة "موقعة الجمل" التي سفكت فيها دماء أطهر شباب مصر من كل تياراتها، تماما كما مسؤولية بشار عن المجازر الوحشية التي تكرر "موقعة الجمل" في كل لحظة، وبشكل أكثر وحشية وبدائية.
الفارق في الدرجة لا في النوع؛ فسفاح القاهرة يستند إلى قاعدة عريضة من المؤسسات "الوطنية"، تمثل إرثا تاريخيا من الفساد والاستبداد، لكنها تفتقر للعصبية الطائفية، تعريها أجواء راسخة من الحريات النسبية التي تقيد تماديها، فضلا عن ارتخاء القبضة الأمنية لنظام اعتمد في طغيانه على حلقات واسعة من الدعم، تشكل المنظومة الأمنية والعسكرية واحدة منها، تآزرها حلقات من القضاء والإعلام ورجال المال والأعمال والمؤسسة الدينية الإسلامية (الإفتاء والأزهر) والكنيسة القبطية. كما أن الحريات النسبية سمحت بنمو حلقات ثورية مضادة تعبر عن المجتمع المصري، سواء في الأحزاب أم القضاء والإعلام وغيرهم.
لذا تجد في مصر تنظيم الإخوان المسلمين الذي تغلب على السطوة الأمنية، وقوى قومية ويسارية وليبرالية، ونخبا وازنة. فتجد في داخل مصر في ظل مبارك: فهمي هويدي، وعلاء الأسواني، وعبدالحليم قنديل.. وهذا ما استحال وجوده في ظل الأسرة الأسدية بوحشيتها الطائفية إلا في نطاق ضيق جدا ومحدود التأثير. بالنتيجة، انتصر شعب مصر ولم ينتصر الإخوان، وهو ما سيتكرر في سورية عاجلا لا آجلا.
يقال، وليس مستبعدا، أن النسوة (وقد تكشف مدى حضورهن وتأثيرهن) زغردن في القصر الرئاسي في دمشق لحظة إعلان العسكر حل مجلس الشعب المنتخب في مصر. ولنا أن نتخيل ندبهن وعويلهن لحظة فوز محمد مرسي. فالثورة السورية هي واحدة من حلقات الربيع العربي، وكان بشار الأسد من المرحبين بانتصارها، وعنون التلفزيون السوري لحظة انتصارها بهزيمة "نظام كامب ديفيد". وعندما سألت "وول ستريت"، الصحيفة الأميركية اليمينية، بشار عما إن كانت سورية ستشهد ذات الثورة، أجاب بالنفي لأن نظامه "قريب من معتقدات الشعب".
فوز الثورة المصرية في انتخابات الرئاسة هي هدية للشعب السوري في ثورته الملحمية، ولن يحبطه تكالب قوى الشر من روسيا وإيران وما بينهما. فمعركته ليست معركة الأمة، بل معركة الإنسانية التي تقف معه اليوم، بأدوات إنسانية لا تجاري أدوات وحوش طهران وموسكو الذين يريدون إحياء الحرب الباردة، وهم لا يقرأون التاريخ القريب؛ فأحرار الأمة قادرون على إعادة دروس هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان وهزيمة الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان. زعيم مافيا موسكو وحليفه المرشد الأعلى لن يهزموا الشعب السوري، تماما كما لم يهزم شعب مصر، وبانتظار رئيس سوري منتخب، سواء كان كرديا أم عربيا، علويا أم مسيحيا أم سنيا، إسلاميا أم علمانيا، فهذه تفاصيل طالما كان فعلا قريبا من "معتقدات الشعب" على قول السفاح!

اضافة اعلان

 

[email protected]