فوسفات برسم السمسرة

حسنا فعلت "الغد" في تقريرها الخاص الذي كشف للرأي العام الاردني آلية تسويق الفوسفات عبر أدوات انطوت على فساد، فهذا ما يحتاج الشعب ان يراه ليحكم على الطريقة التي كانت تدار فيها الشركة الاكبر على مستوى البلاد.اضافة اعلان
 ويبدو أن الطريقة التي تسير عليها تحقيقات هيئة مكافحة الفساد تقود الى تحديد شكل ومضمون الفساد من خلال آليات التسويق التي تضمن اجتزاء عمولات بمبالغ كبيرة لصالح البعض ممن يديرون عملية التسويق تلك.
باختصار، تمت عملية التسويق وفقا لمنهج التلاعب بسعر البيع عبر وسطاء، وكانت شركة كوارتز – شركة هندية - تشتري الفوسفات مرتفع الجودة بسعر الفوسفات منخفض الجودة، بينما كانت تشتري شركة استرا جلوبال الفوسفات – اسمدة دي اي بي – من شركة مناجم الفوسفات بمبلغ 420 دولارا للطن الواحد لتعاود هذه الشركة بيعه في جبل علي في دبي الى السوق العالمي بمبلغ 720 دولارا.
 ويعلم الجميع ان الفرق – 300 دولار للطن – يذهب لصالح جهات لاعلاقة لها بثروة الاردنيين، لكن مقتضى السمسرة وتضييع الثروة الوطنية كان يستوجب وجود وسطاء لتسويق الفوسفات بأسعار متفاوتة حتى يتم ضمان الفروقات، وهنا بيت القصيد وهو ما توصلت اليه التحقيقات مؤخرا.
عملية التسويق الفاسدة تلك التي يجري من خلالها التحايل على اسعار الفوسفات الحقيقية عبر وكلاء ووسطاء وشركات "وهمية " أدت الى خسارات بمئات الملايين خلال السنوات التي لحقت بخصخصة الفوسفات، وكان لها ابطالها من الادارة السابقة واقاربهم حتى امسى موظفا عاديا – من اقارب احدى مسؤولي الادارة السابقة - في المبيعات يدير شبكة التسويق تلك من خارج الاردن بعد ان قدم استقالته من الشركة، وهو ما دفع الى اثراء المسؤولين، فمئات الملايين التي خسرها الشعب الاردني تحولت الى جيوب هؤلاء واخرين من وكلاء هنود وغيرهم.
خلاصة القول ان ملف الفوسفات كبير ويستوجب تحويل كل من سولت له نفسه التآمر على ثروة الاردنيين الى القضاء، وأن يعيد المبالغ التي استبيحت تحت مسميات تسويقية وتعاقدية واستندت في اساسها على الباطل، وصحيح ان رئيس مجلس الادارة السابق خارج البلاد – الا ان الطابق الثامن في مبنى الشركة – الذي يضم عددا من مسؤولي الادارة – ما يزال "يزخر" بمن كانت له يد طولى في عمليات التسويق الانفة، والاسماء معروفة ولا تخفى على أصغر موظف في شركة مناجم الفوسفات الاردنية. 
وحتى لا يتشدق سياسي بالقول ان ملف الفوسفات ليس جاهزا لاتهام المسؤول عما حدث، فإن مسار التحقيقات الاخير الذي توصل وفقا للادلة والقرائن الى وجود فساد واضح ومكشوف في تسويق الفوسفات يستدعي وقف اي مدير او مسؤول تواطأ ضد الشركة التي احتضنته، والمسألة تتطلب الاستعجال حتى لا تتعرض الشركة لمزيد من هدر الاموال الذي يدفع كلفته الاردن يوميا من موجوداته وثرواته، في حين تبحث الحكومة عن مانحين خارجيين لتعويض عجز الموازنة المتفاقم.
اليوم فإن الأدلة والبراهين التي تم التوصل اليها تفيد بأن الادارة السابقة يجب أن تحاسب على ما فعلت وان "رجالها" الموجودين لليوم يجب ان يحاسبوا ايضا، بحيث تكون هذه الشركة – وهي مساهمة عامة - عبرة لمن يعتبر في سياق أي تطاول مقبل على المال العام.

[email protected]