"فوضى الإسكانات" تهدد هوية الفحيص المعمارية ومساحاتها الخضراء

محمد سمور

البلقاء- عادت إلى الواجهة في مدينة الفحيص بمحافظة البلقاء مجددا، قضية "فوضى الإسكانات"، إذ يطالب الأهالي بضوابط تنظيمية، والحد من التوسع بمنح تراخيص البناء، لا سيما أن ذلك يلتهم المساحات الخضراء، ويشوه الطابع التراثي للمدينة.

اضافة اعلان


وفي حديثه لـ"الغد"، يلخص الصحفي حازم عكروش، وهو من أهالي الفحيص، تفاصيل القضية منذ بداياتها، إضافة إلى رواية ومطالب الأهالي، قائلا "إن قضية الإسكانات بدأت قبل حوالي 10 أعوام، عندما قررت لجنة البلدية آنذاك، التوسع في منح التراخيص لإقامة الإسكانات دون ضوابط تنظيمية، بحجة أن القانون لا يسمح لها بمنع ذلك، واستجابة أيضا لرغبة المقاولين".


وأشار عكروش إلى أنه فعليا جرى بناء عدد كبير من الإسكانات، بعدد شقق تجاوز بعضها الـ20 في البناء الواحد.


وأضاف "أن ذلك الأمر، دفع بمؤسسات مجتمع مدني وأهال الى تنفيذ اعتصام احتجاجي، للتحذير من الاستمرار بمنح تراخيص لبناء إسكانات على نحو عشوائي".


وأكد "أن المجلس البلدي اللاحق، وضع أحكاما خاصة لبناء الإسكانات، على ألا يتجاوز الواحد منها طابقين و"روف"، بارتفاع 11 مترا فقط، لكن ورغم ذلك، التف مقاولون وتجار إسكانات على القرار، وأصبحوا يستغلون الأراضي ذات المنسوب الأدنى من الشارع، لبناء عدد طوابق أكثر، وبالتالي شقق أكثر، ما أعاد القضية إلى المربع الأول".


واعتبر عكروش "أن الفحيص ذات الطبيعة الريفية، تدفع ضريبة الزيادة السكانية كمدينة جاذبة لكل من يبحث عن الهدوء والسكينة، نظرا لجمال جبالها ووديانها وسهولها، وثقافة سكانها الملتزمة بالمواطنة والقيم الوطنية والقومية".


وأضاف "أن بناء الإسكانات على نحو عشوائي دون تحديد حوض أو منطقة لبنائها عليها، أصبح يسبب ألما ومعاناة لأصحاب بيوت وفلل، كلفتهم الغالي والنفيس، كما أن العشوائية في هذه البنايات، تشوه البيئة، نظرا للارتفاعات غير المنتظمة للعمارات والشقق التي يشيدها مقاولون وتجار، يبحثون عن الأرباح، بصرف النظر عن مصلحة المدينة وتنظيمها الحضاري الذي يجب المحافظة عليه".


ووفق عكروش، "تشكل الإسكانات ضغطا على البنية التحتية، مثل المياه والمجاري والطرق والكهرباء، إضافة لما ستسببه من أزمات مرورية، جراء العشوائية في بنائها".


وطالب وزارة البلديات بـ"إعطاء المجالس البلدية المنتخبة، الحق برسم مخططاتها التنظيمية بما يخدم مصالح المدينة التي تتوافق مع المخطط الشمولي للمدن والبلديات، لتحديد مستقبلها لسنوات مقبلة، وعدم تدخلها في صلاحيات لجان التنظيم المحلية المتمثلة بالمجالس البلدية، وعدم الخضوع لمصالح أصحاب الإسكانات الذين يسعون لتحقيق الأرباح على حساب مستقبل المدينة وبيئتها ومصلحة المواطنين".


وقال "إن الفوضى المعمارية التي تعانيها الفحيص، شوهت جمال الطبيعة وأدت إلى فقدان المدينة لطبيعتها وهويتها المعمارية، ولم تعد قادرة على استيعاب مزيد من تلك الإسكانات".


وشدد على ضرورة "تحديد حوض معين أو منطقة، لإقامة الإسكانات عليها، شريطة ألا تقل سعة الشوارع التي تقام عليها الإسكانات عن 14 مترا، وإجبار المقاول على تأمين مصفين للسيارات لكل شقة، ومنع التحايل على منسوب الأرض لبناء طوابق أكثر، وإبقائها على طابقين وروف، بصرف النظر عن منسوب الأرض".


ومن جهته، يسمي رئيس البلدية السابق، المهندس جمال حتر، هذه القضية في الفحيص بـ"فوضى الإسكانات"، موضحا أن أحكام قانون التنظيم في الأردن، تمنح أراضي البلديات ضمن حدود التنظيم، الأحكام الآتية (سكن خاص، سكن أخضر، سكن أ، سكن ب، سكن ج، سكن د، سكن شعبي).


وأضاف حتر، أن أحكام قانون البناء، خضعت عبر سنوات لتعديلات عدة، آخرها نظام رقم 13 لسنة 2019 (نظام معدل لنظام الأبنية وتنظيم المدن والقرى لسنة 2019)، مشيرا إلى أنه وتاريخيا، فقد حدد نظام الأبنية عدد الطوابق المسموح بإنشائها لمختلف أحكام البناء (أ، ب، ج، د) بـ4 طوابق فوق منسوب الطريق، وبعدد من الطوابق -غير محدد- أسفل منسوب الطريق على قطع الأراضي الجبلية.


ووفقه، فإن "مدنا وبلدات أردنية، شهد البناء العمراني العشوائي توسعا كبيرا فيها، كرس فوضى عمرانية غير محمودة، في ظل غياب المخططات الشمولية للمدن الأردنية كافة، وبسبب الخلل الكبير، بأحكام نظام الأبنية وتنظيم المدن والقرى، الذي يخضع المناطق الجبلية والمستوية لأحكام النظام نفسه، الذي لم يأخذ بالاعتبار الطبيعة الجبلية لغالبية المدن والبلدات الواقعة على سلسلة الجبال الشرقية، ومنها الفحيص".


ذلك الأمر، بحسب حتر "خلق واقعا عمرانيا مشوها، أضر بالأراضي الزراعية وبطبيعة البلدات والقرى الجبلية، وتسبب بأضرار كبيرة بالأراضي الزراعية والبيئة الخضراء، والثروة الحرية، كما أربك البنى التحتية من طرق وخدمات، وشبكات مياه وصرف صحي، وإنارة، وأثقل كاهل البلديات التي تضطر إلى الالتزام بقانون ونظام الأبنية والتنظيم وتعديلاته المتكررة، رغم قناعتها بغياب الشمولية بالتخطيط، وبحجم الآثار الاجتماعية والاقتصادية القصيرة والبعيدة المدى على المدن والقرى، وما يحدثه ذلك الخلل من تشويه دائم للبيئة، وطبيعة المدن وطابعها الاجتماعي الريفي، وأثر ذلك على هويتها المحلية وقدرتها على النمو الطبيعي المدروس، والعطاء الثقافي والاجتماعي الذي يميز كلا منها".


وقال "إن ذلك جعل بلدات تفقد هويتها، وتعجز بلدياتها عن إدامة المستوى اللائق المطلوب من الخدمات الضرورية للتطور والحداثة، التي هي حق أساسي لكل مواطن".


وتطرق حتر إلى أن "الفحيص عانت، لسنوات طويلة، فوضى الإسكانات، لكن وبإصرار من مجتمعها، تم قبل سنوات منح أحكام بناء خاصة (طابقين وروف) فوق منسوب الشارع، لكامل مواقع التنظيم".


حتر أكد كذلك، أن الأحكام الخاصة، لم تعالج الفرق بالمنسوب لقطع الأراضي الواقعة تحت منسوب الشارع، لافتا إلى أن المجلس البلدي السابق اتخذ قرارات عديدة لمعالجة الخلل بنظام الأبنية، كونه لم يتناول عدد الطوابق أسفل منسوب الشارع، ولم يعالج أيضا عدد الشقق المسموح ببنائها، لا سيما أن نظام الأبنية محكوم بالنسبة المئوية للبناء على كل قطعة الأرض، ولا يحصر عدد الشقق المسموح بها.


وأضاف، أن المجلس البلدي عمل أيضا على وقف العمران بمناطق السكن الأخضر، ومناطق سكن (أ)، وسكن (ج) لمدة سنة، ومنع بناء أكثر من طابقين في البلدة القديمة (صحن البلد)، وحدد عدد الشقق الطابقية في تنظيم (أ، ب، ج)، لكن هذه القرارت لم تجر الموافقة عليها من اللجان التنظيمية اللوائية والعليا، ما أجهض خطط وجهود المجلس البلدي، لاحتواء الفوضى التنظيمية والعمرانية الآخذة بالتوسع في مدينة الفحيص.


وشدد حتر، على "أن أهالي الفحيص أكدوا موقفهم الرافض لفوضى الإسكانات العشوائية، من باب حرصهم ومحبتهم لمدينته، ووعيهم لحجم الآثار السلبية الجسيمة التي تحدثها الإسكانات، في حين جاء موقف المجلس البلدي السابق منسجما مع رغبة الأهالي، ومدركا للأعباء البيئية والمجتمعية التي تشكلها فوضى الإسكانات".


ودعا وزارة البلديات لـ"مراجعة نظام الأبنية وقانون التنظيم لمعالجة مختلف الثغرات الكامنة به، التي أصبحت تشكل عبئا على البلديات والمجتمعات المحلية، ولن يكون من الممكن معالجة آثارها، إذا لم تتخذ قرارات مدروسة بأسرع وقت وقبل فوات الأوان، حيث لن ينفع حينه أي معالجة أو تعديل تقليدي في النظام".

رئيس بلدية الفحيص الأسبق، المهندس جريس صويص، قال لـ"الغد"، إن التعديلات على أحكام البناء وتحديدا فيما يتعلق بـ"سكن أخضر"، أدت إلى تغيير شامل على المناطق الجميلة بالفحيص وتحويلها إلى مسطحات إسمنتية خلال السنوات الماضية، معتبرا "أن وزارة البلديات لم تراع الحفاظ على المناطق الريفية والحفاظ على نسبة المساحات الخضراء".


وقال صويص "إن التعديلات تخدم مصالح مستفيدين من نقل استثماراتهم من مناطق تابعة لأمانة عمان وتحديدا منطقتي دابوق وخلدا، باتجاه منطقة الفحيص، لأن الأمانة لا تملك أحكام البلديات نفسها من حيث عدد الأبنية الممكن بناؤها، فأصبح الأمر بالتالي يوفر فرصة استثمارية بالفحيص".

وأكد أن أهالي الفحيص يطالبون بإرجاع تنظيم "سكن أخضر" لأحكامه سابقا، حيث رؤية الحفاظ على الإرث الخضري للمنطقة ذات الطابع الريفي، بدلا من أن تتحول إلى "مشهد إسمنتي"، خصوصا منطقة الدير.


وشدد صويص، على ضرورة أن يقوم المجلس البلدي المقبل، باتخاذ قرار يوقف إعمار الإسكانات في الفحيص لمدة سنة على الأقل، على أن يتم خلال هذه المدة، إعادة النظر بأحكام البناء.

إقرأ المزيد :