فوضى الحوار.. ماهو البديل؟

فهد الخيطان تشهد البلاد تهافتا غير مسبوق على الحوار الوطني، أو ما يشبه السباق بين المؤسسات الرسمية، بحثا عن الوصفة المثالية للإصلاح السياسي والاقتصادي. بعد قليل على إعلان الحكومة تشكيل لجنة وزارية لمراجعة قوانين الانتخاب والأحزاب والحكم المحلي، أطلق رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز موسما مفتوحا لحوار وطني شمل فعليات حزبية ومجتمعية وعشائرية من كل الألوان. مجلس النواب كان قد أعلن عن نيته تنظيم حوار مماثل في وقت مبكر، ثم تراجع عن الفكرة لاعتبارات تنظيمية تتعلق بدور المجلس، لكنه اليوم يشعر بالغيرة من الأعيان، وقد يضطر لدخول السباق إذا لم يجد سبيلا لممارسة دوره بطريقة مختلفة. حوار الحكومة ما يزال داخليا، أي أنها في حوار مع نفسها، وقد تتجه لتبني مقاربة جديدة تفتح آفاقا أوسع. حوار الأعيان طويل وممتد لأسابيع ويشمل جميع محافظات المملكة وفعالياتها، وليس معروفا بعد إلى ما سينتهي إليه، هل سيصدر المجلس وثيقة تفاهمات تتضمن القواسم المشتركة للمشاركين بالحوار، أم أننا أمام جلسات استماع فقط، خلاصاتها مطروحة للتفكير من قبل أصحاب القرار التنفيذي. ولن يكون مستغربا إذا ما توقف هذا الحوار بشكل مفاجئ، أو انتهى بدون إعلان صريح، فداخل أروقة القرار شكوى من حالة الفوضى السائدة وغياب الدليل الوطني الناظم للعملية الإصلاحية برمتها ودور المؤسسات المعنية. نتفق على الحاجة لحوار وطني جاد ومنظم حول الإصلاحات السياسية والاقتصادية، لكننا وعلى مستوى المؤسسات نعمل بعقلية الفزعة، مثلما نفتقر لأسس واضحة ينطلق من الحوار، وأهداف محددة نسعى لتحقيقها، ما يجعل حواراتنا مجرد جلسات عصف ذهني لا تفضي لشيء، وتكرس الانقسام أكثر من بناء الجوامع المشتركة، والنتيجة تفاقم من أزمة الثقة والمصداقية. في المفاصل التاريخية، كل خطوة إصلاحية نجحت في تحقيق غاياتها كانت برعاية ملكية مباشرة؛ لجنة الميثاق الوطني، الأجندة الوطنية، لجنة الحوار الوطني، اللجنة الملكية للتعديلات الدستورية، وغيرها من اللجان التي عملت على تطوير التشريعات ومنظومة النزاهة الوطنية، وتطوير المؤسسة القضائية والتشريعات الناظمة لعملها. في الوقت الحالي ينبغي وقف المسارات المتنافسة والمتضاربة للحوار، وتوحيد الجهود في مسار واحد، واعتماد مرجعية وطنية للمناقشات، وهنا اقترح أن تكون المرجعية هي الأوراق النقاشية الملكية، فهي أفضل أساس يمكن الانطلاق منه لعملية إصلاح متدرجة تأخذ في عين الاعتبار كل الملاحظات والمحاذير، وتكون مضامينها بمثابة أهداف للدولة في مئويتها الثانية، وفي الجوهر منها تكريس مبادئ المواطنة وسيادة القانون والمساواة بين الأردنيين بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى. قانونا الانتخاب والأحزاب مجرد بداية، ولا بد من التفكير بتعديلات دستورية، تعزز مكانة النظام الملكي كحام للوطن والدولة والشعب، إلى جانب تمكين المؤسسات الدستورية من القيام بواجباتها.اضافة اعلان