فوضى السلاح.. وتراجع الثقة بالدولة!

قبل نحو عام تقريبا من الآن، نشرت "الغد" تحقيقا استقصائيا مهما للزميلين الفتيين زايد الدخيل وعبدالله اربيحات، حول فوضى انتشار السلاح في الأردن، سبر أغوار هذه الظاهرة المقلقة، ليكشف التحقيق، وربما للمرة الأولى في الإعلام، عن وجود نحو مليون قطعة سلاح على الأقل بين الأردنيين، ثلثها تقريبا فقط (350 ألف قطعة سلاح) مرخص رسميا، وللاقتناء في الغالب.اضافة اعلان
التحقيق الذي فاز بجائزة الحسين للإبداع الصحفي لنقابة الصحفيين، كما أُعلن مساء أمس رسميا، استشرف عبر خبراء وأكاديميين وشخصيات عشائرية، خطورة عدم تصدي الدولة والمجتمع لهذه الظاهرة، وتفاقمها وتفاقم أخطارها في المقبل من الأيام. وهي تحذيرات بتنا اليوم نصطلي بآثارها، ونعيشها كل لحظة.
فوضى انتشار السلاح في المجتمع، واستسهال اللجوء إليه، في الأفراح والأتراح، وفي الشجارات والمشاكل، مقابل تكرار حالات الإفلات من عقاب القانون، هي وصفة خراب، وتقويض لبنيان أي دولة وأي مجتمع.
وإذا كان التواطؤ المجتمعي والعصبوي يمكّن، في الكثير من الأحيان، من التساهل مع نتائج اللجوء إلى السلاح والعيارات النارية، في المناسبات والأفراح، حتى لو ذهب ضحيتها أبرياء وأرواح وإصابات، فإن تزايد اللجوء إلى استخدام الأسلحة في مشاجرات جماعية، وأعمال عنف وشغب واسعة، وصراعات مناطقية وقرابية وعشائرية، أمر بات مثيرا لقلق وفزع أوسع بين أوساط المجتمع المختلفة.
والأخطر اليوم، بعد تكرار حوادث الاعتداء والتجرؤ على مؤسسات الدولة، بما فيها الأمنية والمخافر وأكشاك الشرطة وسياراتها وأفرادها، مع استخدام السلاح، وبكثافة أحيانا، كما جرى في غير حادثة أخيرا، أقول إن الأخطر اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، هو أن المجتمع الأردني بات تحت وطأة الشعور الجمعي بخطورة ظاهرة اللجوء إلى السلاح في الصراعات والنزاعات، والتجرؤ على أدوات وسلطات تنفيذ القانون، وسط تخبط سياسي وإداري في معالجة مثل هذه الأزمات.
هذا الشعور الجمعي بالقلق والفزع تجذره ظاهرة فوضى وانتشار السلاح، واستمراء اللجوء إليه، بل والإفلات من العقاب في العديد من الأحيان، وتخبط الفعل والعقل السياسيين في إدارة أزمات المجتمع المتشابكة، وعلى رأسها قضية خرق القانون باستخدام السلاح.
ترسخ واتساع هذه الظاهرة، وتعمق الوعي والإحساس بها في العقل الجمعي، ينعكس أول ما ينعكس على ضرب المزيد من قلاع الثقة بالدولة وبسيادة القانون، خاصة عندما تفتقد الحكومة والمؤسسات الرسمية، كما هو الحال الآن، إلى الرؤية الوطنية الجامعة والتوافقية، التي تضمن حدا أدنى من نقاط الالتقاء والخطوط العامة والتوافق بين التنويعات السياسية والاجتماعية.
كذلك، فإن انعكاسا آخر لا يقل خطورة عن السابق، يمكن تلمسه بوضوح بين أوساط واسعة من المواطنين هذه الأيام، يتمثل في اتساع ظاهرة الهروب إلى حلول فردية لمواجهة الشعور بوطأة فوضى السلاح، وفقدان الثقة بسيادة القانون وكفاءة الدولة. وهي حلول فردية عبر المبادرة إلى شراء سلاح شخصي، بحثا عن أمان شخصي وعائلي يتوهم صاحبه توفره في مثل هذه الخطوة!
الحل لمثل هذه المشكلة لا يمكن أن يكون فرديا، ولا بالمزيد من خرق القانون والتجرؤ عليه باقتناء السلاح وزيادة فوضى انتشاره. الحل السحري، ليس لهذه القضية فقط، بل لكل مشاكلنا وقضايانا، هو في تجديد شباب الدولة والحياة السياسية، بما يضمن شراكة حقيقية للناس في صنع القرار، والرقابة الفاعلة على السلطات، وتعزيز هيبة وكفاية مؤسسات الدولة، بمختلف أصنافها. وكل ذلك لا يتم إلا عبر الإصلاح السياسي الحقيقي، الذي يجمع ولا يفرق، ويستجيب لطموحات الأردنيين.