فولكس واجن: من سيارة الشعب إلى مصاف الصانعين الكبار

في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، كانت صناعة السيارات الألمانية لا تزال تعتمد كليا على السيارات الفاخرة. ومع وصول الحزب النازي إلى السلطة، قرر أدولف هتلر أن الوقت قد حان لإنتاج سيارة صغيرة رخيصة الثمن يمكن للمواطن الألماني أن يقتنيها بسهولة. في هذا الوقت كان هناك عدة مشاريع مقترحة، ولكن كان واضحا أن القطاع الخاص لن يكون بإمكانه الوفاء بمتطلبات هتلر، ألا وهي توفير سيارة قادرة على نقل عائلة ألمانية من زوجين وثلاثة أطفال بسرعة 100 كلم/س، وأن تكون مزودة بمحرك مبرد بالهواء (حتى لا تتجمد السوائل في البرد)، والأهم من ذلك أن تباع بسعر يبلغ 990 ماركا فقط. لذلك قرر هتلر أن تبع طريقا آخر وهو إنشاء مصنع للدولة، يقوم بإنتاج هذه السيارة بناء على المخططات التي كان فرديناند بورشه قد وضعها اعتمادا على خبرته وتطوير الأفكار الأخرى التي كان عدد من المهندسين قد طوروها في تلك الفترة. الفكرة كانت في تمويل شراء السيارة عبر دفعات أسبوعية بمقدار خمسة ماركات فقط، وسجل لذلك حوالي 336 ألف مواطن ألماني.اضافة اعلان
تم بناء المصنع، ومعه مدينة جديدة بالكامل، والتي ستتحول فيما بعد إلى مدينة فولفسبورغ، عام 1983. وخلال تلك الفترة تم تطوير السيارة، والتي ستصبح فيما بعد طراز بيتل أو الخنفساء، وحتى اختبارها في نفق الهواء (والذي كان يستخدم في ألمانيا منذ العشرينيات) وبناء عدة بنماذج أولية. إلا أن اندلاع الحرب العالمية الثانية أوقف خطط الإنتاج، وتحول المصنع إلى الإنتاج العسكري.
بعد الحرب العالمية، كان المصنع في حالة دمار شامل. فالسوفييت كانوا قد استولوا على الأموال التي دفعها المواطنون الألمان لشراء السيارات، إلا أن ضابطا بريطانيا اسمه إيفان هيرست كان المسؤول عن المصنع، وأقنع السلطات البريطانية التي تحتاج لوسيلة نقل لضباطها بشراء 20 ألف سيارة. وهكذا بدأ مصنع فولكس واجن مسيرته الحقيقية. وعلى الرغم من أن المصنع كان يتوقف عن العمل حين تمطر بسبب عدم وجود سقف أو نوافذ، إلا أن الإنتاج بدأ، وبدأت السيارة تسير على شوارع ألمانيا.
السلطات البريطانية حاولت أن تنقذ المصنع، وعرضت شركة فولكس واجن على كافة شركات السيارات الأوروبية، إلا أنهم جميعا رفضوا العرض. أحدهم كان السير وليام روتس، صاحب مجموعة من الشركات مثل تالبوت وسنبيم، والذي قال لهيرست بأن السيارات قبيحة ومزعجة، وأنه غبي إن كان يتوقع أن ينتج السيارات في هذا المكان! هنري فورد أيضا رفض عرضا بامتلاك المصنع مجانا، ورئيس مجلس إدارة فورد أبلغه رأيه قائلا: “سيد فورد، أعتقد أن ما تم عرضه عليك لا يساوي شيئا”.
ولكن البيتل أثبتت خطأ الجميع. صحيح أنها لم تبع سوى سيارتين فقط في العام الأول من تصديرها إلى الولايات المتحدة، ولكن مع حلول عام 1972، كانت قد تجاوزت طراز “موديل-T” من فورد كأكثر طراز مبيعا في التاريخ، بوصولها إلى أكثر من 15 مليون سيارة.
في الستينات، بدأت فولكس واجن بالتوسع، فاشترت شركات أوتو يونيون وNSU ومعها اسم أودي المنقرض لتعيد إحيائه. شراء هذه الشركات كان وراء إطلاق سيارات فولكس واجن الجديدة، الشيروكو والباسات، وأهمها طبعا… الجولف. سريعا بدأت الشركة تكبر، وفي السنوات التالية بدأت توسع مجموعتها، خاصة مع انضمام فرديناند بيتش إلى إدارتها، إذ استحوذت بالإضافة إلى أودي على سيات وشكودا ومن ثم لامبورغيني وبنتلي حتى بوغاتي. أما بورشه، فقد ظلت دوما على علاقة وثيقة بالشركة، خاصة وأن فرديناند بورشه حصل على مبلغ من المال مقابل كل سيارة بيتل تباع، مما سمح له بشراء حصة كبيرة في الشركة، وحتى محاولة بورشه الاستحواذ تماما على فولكس واجن، قبل أن يتم اليوم دمج الشركات تماما في مجموعة واحدة تحت لواء فولكس واجن.
الشركة اليوم تعتير عملاقا في عالم صناعة السيارات، إذ تحتل مجموعة فولكس واجن المركز الثالث في ترتيب صانعي السيارات مع مبيعات تتجاوز 9 ملايين سيارة سنويا. وفازت سياراتها بلقب سيارة العام في العالم 4 مرات وفي أوروبا ثلاث مرات، وتعرف شعبية كبيرة في مختلف أنحاء العالم. إنجاز كبير لشركة لم يرغب أحد في امتلاكها مجانا في يوم من الأيام!