فيروس كورونا وجدل البدايات

لقد أعاد الهجوم اللاذع الذي شنه قبل ايام وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن على الصين مُتهماً إياها بعدم الشفافية فيما يتعلق بفيروس كورونا وخاصة في المراحل الأولى للوباء الجدل الدائر في الأوساط العلمية والسياسية والاعلامية حول هذا الموضوع وحول دور الصين فيه الى المربع الأول بعد أن هدأ قليلا في أعقاب خروج ادارة الرئيس ترامب من البيت الأبيض.اضافة اعلان
لقد جاء تصريح بلينكن رداً على التقرير المشترك الذي نشرته لجنة مكونة من منظمة الصحة العالمية والسلطات الصينية والتي خلصت الى انها تغلب أن الفيروس قد أتى من الحياة البرية وليس مصنعاً مخبرياً.
وفي نفس الوقت فقد أصدر أربعة وعشرون عالماً بارزا يمثلون عدة دول بياناً طالبوا فيه الصين بتعاون أكبر ومزيد من الشفافية لمعرفة أصل الفيروس وكيفية خروجه عن السيطرة.
منذ بداية الاعلان عن الفيروس انتشرت على نطاق واسع إشاعة ترد أصله الى عادات الطعام عند الصينيين وهنا تحديدا أكل الوطواط الذي يعتبر الملجأ الآمن لفيروس كورونا، وقد تزامن مع هذه الإشاعة بعض الهمس الذي لم يأخذه أحد على محمل الجد يؤكد ان هذا الفيروس مصنع مخبرياً من قبل الصين .
ودلل أنصار هذه النظرية على صحة ما ذهبوا إليه أن هذا الفيروس قد ظهر في المدينة الوحيدة في العالم التي تحوي على أهم مختبرين مختصين في دراسة وتخزين فيروس كورونا، لذلك فمن غير المستبعد أن يكون قد تم تعديله جينيا في سياق احدى التجارب العلمية قبل أن يخرج عن السيطرة ويتسلل الى الخارج.
موضوع التجارب على الفيروسات وتعديلها وراثيا لاستخدامها في العديد من المجالات سواء الطبية أو الزراعية أو حتى البيئية ليس موضوعا طارئا فقد بدأت الأبحاث في هذا المجال منذ منتصف السبعينيات وتستخدم هذه الفيروسات المعدلة في علاج بعض الأمراض الوراثية ويتم اختبارها على بعض أنواع السرطان بالإضافة الى استخدامها في بعض المطاعيم.
ومما يعزز من حجة أنصار نظرية تصنيع الفيروس سجل الصين غير المشجع في مجال أخلاقيات البحث العلمي وتدخل الدولة في كافة مفاصل الحياة بما فيها الابحاث العلمية، كما ساهم عرقلة السلطات الصينية لوصول الخبراء الدوليين الى بعض الملفات الحساسة في المختبر في إثارة المزيد من غبار الشك حول مصداقية وجدية هذه السلطات في التعاون مع فرق التفتيش.
هذه الشكوك وجدت صدى كبيرا لها في العديد من وسائل الاعلام الرصينة مثل "بي بي سي" و"لوموند" و "ري" وغيرها والتي نشرت عدة مقالات استخدمت فيها التلميح وأحيانا التصريح في اتهام المخابر الصينية بتصنيع الفيروس كما اتهمت السلطات الصينية بالتعمية على الموضوع بل حتى أنها شككت بتاريخ ميلاد الفيروس وأشارت الى أن هناك اصابات محتملة لم يعلن عنها سبقت الاعلان الرسمي بعدة أشهر.
بدورها ما تزال السلطات الصينية متمسكة بروايتها المبنية على أن هذا الفيروس هو ابن التطور الطبيعي وينسجم في تركيبته ونهجه مع أبناء عائلته الممتدة وتنفي عن مؤسساتها أو علمائها شبهة التلاعب به وأن ما يثار في الغرب حول دور مزعوم لها لا يعدو كونه تسييسا ضمن سياق الحرب الباردة مع الغرب.
في الوقت الذي ما يزال فيه الفيروس يضرب بقوة في أرجاء العالم المختلفة فإن الأولوية تبقى للسيطرة عليه، لكن يبقى السؤال حول أصله وفصله مفتوحاً على العديد من التأويلات وربما سينضم الى عشرات الأحداث التي لم يجد العالم لها تفسيرا حتى اللحظة، وهذا ما دفع مدير منظمة الصحة العالمية لتبني موقف عائم عندما صرح " رغم أن احتمالية تصنيع الفيروس في المُختبر تعتبر ضئيلة لكن يجب أن تبقى جميع الفرضيات مطروحة على الطاولة للمزيد من التمحيص والبحث ".