فيروس "كورونا" يمنح إسرائيل الغطاء المثالي لتشديد قبضتها على الفلسطينيين

روبرت سويفت* – (مجلة 972+) 26/4/2020
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

تستفيد إسرائيل من انصراف انتباه العالم أثناء تفشي الوباء للضغط من أجل ضم المناطق الفلسطينية، وممارسة المزيد من المراقبة والسيطرة على الفلسطينيين. وسوف يكون التغيير الذي سينجم عن الضم الرسمي، في المدى القصير على الأقل، متعلقاً بمسائل التعريف والشرعية. وسوف يصبح النصف مليون مستوطن الذين يعيشون في مستوطنات الضفة الغربية الآن مقيمين بشكل ثابت داخل دولة إسرائيل ذات السيادة، متحدّين تأكيد المجتمع الدولي أن وجودهم في تلك الأماكن غير قانوني بموجب القانون الدولي.

  • * *اضافة اعلان
    يمكن لضم إسرائيل أحادي الجانب لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة أن يمضي قدماً بشكل رسمي اعتباراً من 1 تموز (يوليو)، وفقاً لشروط حكومة الائتلاف الطارئة الجديدة التي تم الإعلان عن تشكيلها الأسبوع الماضي.
    وكانت هذه الخطوة السياسية المهمة طموحًا مستمراً منذ أمد بعيد للعديد من الجهات السياسية الفاعلة الإسرائيلية. ومع ذلك، ليس من قبيل المصادفة أن يتم طرح الخطوة الأخيرة نحو تحقيقها -والتي يمكن أن ترسل في نهاية المطاف الشبح الدائم لحل الدولتين إلى راحته الأبدية- بسرعة في خضم أزمة صحية عالمية تاريخية.
    على مدى الشهرين الماضيين، بينما يتعثر العالم شاقاً طريقه عبر جائحة "كوفيد 19"، أقرت الحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عددًا من الإجراءات التي تعمق سيطرة إسرائيل على حياة الفلسطينيين وتقوض حقوقهم وحرياتهم.
    سرعان ما تحول ما بدأ أولاً كتجاهل تام من قبل الحكومة الإسرائيلية لمصير الفلسطينيين أثناء الوباء، إلى محاولة نشطة للاستفادة من فوضى الأزمة الصحية لتعظيم مكاسب إسرائيل على حساب الفلسطينيين. وشكل أحدث مساعي الحكومة للمضي قدماً في ضم مناطق من الضفة الغربية المحتلة استمراراً –وتصعيداً- لهذا الاتجاه.
    استغلال الأزمة
    كان الدافع وراء اتخاذ مثل هذا الإجراء السياسي الفوري تحت غطاء أزمة فيروس كورونا قد نجم أولاً في آذار (مارس)، عندما قام وزير العدل آنذاك، أمير أوهانا، عضو الليكود الذي عيّنه نتنياهو، بإغلاق المحاكم الإسرائيلية على أساس مخاوف تتعلق بالصحة العامة، مؤجلاً بذلك بحث قضية اتهامات الفساد التي يواجهها رئيس الوزراء حتى أواخر أيار (مايو).
    ويبدو أن نتنياهو دفع تكاليف سياسية قليلة نسبيًا لهذه الخطوة التي قوضت القضاء الإسرائيلي وساعدت في تأجيل المساءلة عن الجرائم المزعومة لرئيس الوزراء. وفي واقع الأمر، يبدو أن هذا الفصل شجع نتنياهو على دفع وتوسيع أهدافه السياسية -بما في ذلك الضم- بينما ما يزال الوباء حاضراً.
    وكان نتنياهو قد بذل منذ فترة طويلة وعوداً لقاعدته الانتخابية وتعهدات بضم غور الأردن ومختلف الكتل الاستيطانية في أجزاء من الضفة الغربية المحتلة رسمياً -وهي خطوة وافقت عليها الولايات المتحدة عملياً، بما في ذلك من خلال "صفقة القرن" التي أعدتها وأصدرتها إدارة ترامب، وإنما التي يستمر الاتحاد الأوروبي في معارضتها.
    كما أعلن بيني غانتس، الزعيم السابق للمعارضة الذي أصبح نائبًا لرئيس الوزراء، عن دعمه لهذه السياسة خلال جولات الانتخابات الإسرائيلية الثلاث التي أجريت خلال العام الماضي، وقام الآن بإضفاء الطابع الرسمي على الخطة من خلال التوقيع على اتفاق الائتلاف الحكومي الأسبوع الماضي.
    بالنسبة لحزب نتنياهو، الليكود، ينطوي السعي إلى تنفيذ الضم الآن في ذروة أزمة فيروسات كورونا على العديد من المزايا. أولاً، سيكون انتباه المجتمع الدولي منصرفاً عما يجري بسبب انشغاله بمشكلة مكافحة الوباء. وينطبق ذلك بشكل مضاعف على الاتحاد الأوروبي، أحد المؤيدين الرئيسيين لحل الدولتين، والذي يثقله ارتفاع عدد الضحايا ومعدلات الإصابة بـ"كوفيد 19" في دول مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا.
    كما أن هذا التشتت في الانتباه هو واقع الحال محلياً أيضاً. فبينما يشير استطلاع حديث للرأي إلى أن ثلث الإسرائيليين فقط يدعمون خطط الضم من جانب واحد، من المرجح أن يتقلص حجم أي معارضة عامة لهذه السياسة بسبب المخاوف المتعلقة بفيروس كورونا والقيود الناتجة عن الإغلاق. ويبدو من غير المحتمل أن يقلق الأشخاص القلقون على وظائفهم وصحة عائلاتهم بشأن ما يعتبرونه مسألة سياسية، والتي تؤثر على أناس آخرين بعيدين عن مجال رؤيتهم المباشرة.
    ومع ذلك، لم يشتت انتباه الجميع في إسرائيل، فقد أدانت منظمات حقوق الإنسان المختلفة إعلان الضم الوارد في اتفاقية الائتلاف. ويقول براين ريفز، مدير التنمية والعلاقات الخارجية في منظمة "السلام الآن"غير الحكومية، في بيان صدر يوم 20 نيسان (أبريل): "نقول لبيني غانتس: لا تبِع علينا قصصًا عن حكومة طوارئ لمحاربة فيروس كورونا عندما تكون في الواقع شريكًا في إنشاء حكومة ضم".
    من الإهمال إلى التقصُّد
    لا تشكل محاولات إسرائيل للاستفادة من أزمة فيروس كورونا واستغلالها على حساب الفلسطينيين مفاجأة بالنسبة للكثير من المراقبين. ومع ذلك، يشير مسار تصرفاتها خلال فترة تفشي المرض إلى أن سياساتها العدوانية يمكن أن تتصاعد بشكل خطير في الأشهر المقبلة.
    تقول جيسيكا مونتيل، المديرة التنفيذية لـ"هاموكيد": مركز الدفاع عن الفرد، إن نهج إسرائيل تجاه الفلسطينيين عند بداية تفشي الوباء كان "الإهمال". باختيارها اللامبالاة إزاء أوضاع الفلسطينيين في إسرائيل والقدس الشرقية (من المواطنين والمقيمين دائمين، على التوالي)، لم تقم الحكومة بنشر معلومات عن فيروس كورونا باللغة العربية قبل مرور أسابيع طويلة بدء الأزمة، ولم تقدم مجموعات فحص كافية للمدن والأحياء العربية. وتضيف مونتيل: "في كثير من الحالات، كان مبعث قلقنا ببساطة هو أن الفلسطينيين ليسوا على رادارهم".
    ومع ذلك، سرعان ما تحولت العديد من الممارسات الحكومية والأمنية من اللامبالاة إلى التقصُّد، بهدف واضح هو "تمييز جزء من السكان على الآخر، أو استغلال الوضع لتعزيز الأهداف السياسية"، كما تقول مونتيل.
    كانت إحدى هذه الخطوات متطلباً حديثًا من السلطات الإسرائيلية بأن يقوم الفلسطينيون الذين يقدمون طلبات للحصول على التصاريح المعلقة -للعمل أو السفر أو الوصول الطبي أو أسباب أخرى- بتحميل تطبيق على هواتفهم الذكية. وتشمل الأذونات التي يتطلبها التطبيق، الذي يُطلق عليه اسم "المنسِّق" باللغة العربية، موافقة المستخدم على شروط تتيح لأجهزة لأجهزة الأمن الإسرائيلية الوصول إلى جهات اتصاله والميكروفون والكاميرا وبيانات الموقع في هاتفه.
    في حين أن التطبيق نفسه ليس إلزاميًا بشكل رسمي، لأن مكاتب الإدارة المدنية الإسرائيلية مغلقة بسبب فيروس التاجي، فإن الفلسطينيين في الضفة الغربية مضطرون للجوء إلى البرنامج الجديد من أجل مراقبة صلاحية تصاريحهم.
    ولم يقدم ممثلو الحكومة الإسرائيلية حتى الآن أي تفسير للسبب الذي يجعل الوصل إلى هذه البيانات ضرورياً للتطبيق، إما لمكافحة فيروس "كوفيد 19" أو لمعالجة طلبات تصاريح الأفراد. ولم يردّ ممثل "منسق الأنشطة الحكومية في المناطق"، الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن إدارة الاحتلال، على الأسئلة أو طلب إجراء مقابلات معه للبحث في هذه القصة.
    يشير هذا الإجراء إلى أن إسرائيل تضغط من أجل المزيد من فرض المراقبة التكنولوجية بهدف جمع المزيد من البيانات الشخصية عن الفلسطينيين الخاضعين لسيطرتها.
    وبالإضافة إلى ذلك، تنظر السلطات الإسرائيلية بغيرة واحتراس إلى وصول السلطة الفلسطينية إلى المجتمعات الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة -حتى مع فشل إسرائيل في تزويد هذه الأحياء بوسائل الحماية من "كوفيد 19" على قدم المساواة مع الأحياء اليهودية المجاورة.
    في نيسان (أبريل)، على سبيل المثال، اعتقلت إسرائيل وزير شؤون القدس في السلطة الفلسطينية، فادي الهدمي، ومحافظ القدس عدنان غيث، متهمة إياهما بممارسة نشاط سياسي غير قانوني نيابة عن السلطة الفلسطينية. وبحسب ما ورد، فقد اعتُقل متطوعون فلسطينيون آخرون وصودرت المواد التي بحوزتهم أثناء قيامهم بتوزيع الطعام أو بتطهير الشوارع لمكافحة الفيروس.
    تقول رانيا محارب، الباحثة القانونية في منظمة "الحق" الفلسطينية غير الحكومية، إن المسؤولَين الفلسطينيين كانا يشاركان في جهود لكبح انتشار الوباء. وتضيف: "تم اعتقالهما بسبب قيامهما باتخاذ إجراءات لا تتخذها السلطات الإسرائيلية لضمان احتواء انتشار الوباء في مجتمعات القدس الشرقية".
    نافذة على الضم
    يشكل وضع القدس الشرقية، التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 وقامت بضمها في العام 1980، نافذة على مصير الفلسطينيين الذين سيخضعون لعملية الضم الجديدة التي تنوي إسرائيل تنفيذها لأجزاء أخرى من الضفة الغربية.
    يهدد الجمع بين الإهمال والسيطرة الاستبدادية -بالإضافة إلى انتهاك حقوقهم الأساسية- بإضعاف صمود الفلسطينيين في وجه "كوفيد 19". وفي الأثناء، سيحظى الإسرائيليون اليهود على جانبي الخط الأخضر بعناية أساسية في الحرب ضد المرض.
    بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون تحت الحكم الإسرائيلي في المناطق التي سيتم ضمها قريباً في الضفة الغربية، يمكن القول أن القليل فقط يمكن أن يتغير على الأرض. من غير المحتمل أن نرى مشاهد للقوات الإسرائيلية وهي تجتاح فجأة المدن والقرى الفلسطينية في عربات مدرعة لمصادرة مساحات كبيرة من الأراضي؛ كانت هذه القوات موجودة هناك بالفعل منذ عقود، وكانت هذه هي الأرض الواقعة تحت سيطرتهم بحزم. حتى في هذا الوقت، لا تتوقف شواخص الطرق المكتوبة بالعبرية عند الخط الأخضر؛ وإنما تتبعثر في جميع أنحاء الضفة الغربية.
    سوف يكون التغيير الذي سينجم عن الضم الرسمي، في المدى القصير على الأقل، متعلقاً أكثر بمسائل التعريف والشرعية. بالنسبة لإسرائيل، سوف يصبح النصف مليون مواطن الذين يعيشون في مستوطنات الضفة الغربية الآن مقيمين بشكل ثابت داخل دولة إسرائيل ذات السيادة، متحدّين تأكيد المجتمع الدولي على أن وجودهم في تلك الأماكن غير قانوني بموجب القانون الدولي.
    ومن الناحية الأخرى، قد يجد الفلسطينيون الذين سيتم ضم منازلهم أنفسهم وقد أصبحوا مقيمين أجانب في "دولة يهودية" في وطنهم الخاص نفسه.
    ومع ذلك، فإن عواقب هذه الممارسات القاسية على الفلسطينيين ستشكل حتماً خطراً على الإسرائيليين أيضًا -في مواجهة تفشي فيروس كورونا على الأقل. ويقول جيمي ماكغولدريك، منسق الأمم المتحدة للتنمية والمساعدات الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة: "لا يوجد مجتمع أو جغرافية محصنة من هذا (الوباء) –إنه لا يعرف حدودًا". ويضيف: "لا يمكنك أن تعزل المجتمعات أو الفصائل". وهذا صحيح أثناء الوباء، وصحيح بعده أيضاً.
  • Robert Swift: صحفي وكاتب اسكتلندي مستقل مقيم في القدس. يركز عمله على مسائل التكنولوجيا وسياسة الشرق الأوسط والأمن والشؤون العسكرية.
    *نشر هذا التقرير تحت عنوان: Coronavirus gives Israel the perfect cover to tighten its grip over Palestinians