فيلمان لبرادلي كوبر يغوصان بالنفس البشرية

ملصق فيلم Silver linings Playbook للمخرج ديفيد أو راسل - (أرشيفية)
ملصق فيلم Silver linings Playbook للمخرج ديفيد أو راسل - (أرشيفية)

إسراء الردايدة

عمان- العملان المختلفان اللذان عرضا في فترة متقاربة للممثل الأميركي برادلي كوبر، يتداخلان معا في الغوص في جوانب النفس البشرية والخيارات وتداعياتها، كما يختبر المشاهد فيهما صيغة مختلفة من تقمص الأدوار التي تلفت النظر لهذا الممثل والوقوف على آخر أعماله.اضافة اعلان
الفيلمان اللذان قدمهما كوبر يطرحان قصتين مختلفتين؛ فالأول منهما يحمل عنوان The Words للمخرجين برايان كلوغمان ولي ستيرنثال، فيما العمل الثاني يحمل اسم Silver Linings Playbook للمخرج ديفيد أو راسل، وفيهما يلعب دور البطولة المطلقة، علما أنه اختير النجم الأكثر جاذبية على وجه الأرض في الاستفتاء السنوي الذي أجرته مجلة "بيبول" الأميركية، وسيكرم بعد غد في مهرجان بالم سبرينغز، إذ سيمنح جائزة الإنجاز الحياتي "نخلة الصحراء".
أما فيلم The Words، فهو عمل مركب يدور حول سرقة الكاتب لعمل غيره رغم موهبته، وفيه يلعب كوبر دور روري جانسون، الذي يسرق قصة مجهولة لكاتب مغمور، ويظهر كاتبها الأصلي لتقاطع حياته معه.
غير أن الفيلم في الأصل مركب، ومن الصعب فصل القصة الحقيقية عن تلك التي تدور بداخله؛ إذ يبدأ الفيلم لكاتب مشهور يروي أحداث قصة روري جانسون، ويشارك في البطولة الممثل دينيس كويد بدور هاموند كلاي، وهو مؤلف مشهور أيضا.
فمحور العمل حول الخيارات الأخلاقية التي يطبقها الفرد في حياته، التي تصيبنا فجأة في استسهال أمور تحقق لنا غايتنا، وسط العواقب التي تتبعها وتكشف أسرارا أخرى، ولكنه أيضا يصف الولع بالكلمات المحملة بالمشاعر، والتي تتدفق من الموهوبين في الكتابة، ولكنها لا تجد طريقها للنشر أحيانا بسبب دور النشر.
العمل بحد ذاته في هذا الفيلم، ومن خلال الرواية المتضمنة للفيلم، يطرح قصة روري جانسون الكاتب الذي أخفق في تحقيق حلمه، ليكون روائيا ناجحا، حتى تتغير كل حياته حين تشتري له زوجته هدية من باريس حيث أمضيا شهر العسل، وهي حقيبة للكتاب قديمة، ويجد بداخلها نصا قديما مجهول الهوية، فيقرأها لتكون تحفة أدبية تنشر باسمه لاحقا، ولكن الأقدار تجمعه مع الكاتب الأصلي وهو الممثل جيريمي آرون، ليخبره قصة روايته تاركا إياه ليختار إنصافه ويعيد له حقه.
والنص للفيلم كتبه المخرجان نفسهما وهما؛ برايان كلوغمان وولي ستيرنثال، ويحمل جملا عميقة مثل جملة صاحب الرواية المسروقة "لقد أحببت الكلمات أكثر من المرأة التي ألهمتني لكتابتها، ولكن ضاعت الكلمات وضاعت امرأتي يا بني!".
في هذا الفيلم ورغم قصته التي تبدو مربكة نوعا ما في طريقة فصلها عن القصة الحقيقية، يضيع جهد المخرجين من جهة، وتقوض جهود برادلي بسبب برودة ردود أفعاله وعواطفه، التي تبدو ساذجة، كون العديد من المشاهد يغيب عنها عنصر التوتر المطلوب، لتسير نحو نسق ممل في بعض الأحيان، ويظهر أيضا صعوبة في التواصل العاطفي بين المشاهد وأداء الممثلين فيه، ليبدو وكأن هناك فاصلا عاطفيا لسبب ما هو مرتبط بالقصة المعقدة التي لم تظهر نفسها بشكل كاف بسبب هذا البرود العاطفي فيها.
ونال الفيلم تقديرات سلبية من النقاد؛ إذ منحه موقع rotten tomatoes تقديرا بلغ 20 % من أصل 111 رؤية نقدية، مجمعة أن العمل نفسه ليس ذكيا أو ذا عمق رغم قصته التي أبرزت المواهب التمثيلية فيه، مبرزا العمل الأدبي بشكل معقد أفقده بريقه.
أما فيلم المخرج ديفيد أو راسل Silver Linings Playbook والمبني على رواية للمؤلف ماثيو كويك من العام 2008، فهو كوميديا رومانسية خفيفة، نالت تقديرات عالية وإيجابية رغم بساطة قصتها التي عززها أداء برادلي كوبر إلى جانب الممثلة جنيفر لورنس.
وتتمحور قصة الفيلم حول بات "برادلي كوبر"، الذي أدخل لمصحة عقلية جراء نوبات العنف التي تنتابه، وسببت شرخا في علاقته الزوجية بعد أن اكتشف خيانة زوجته له، ليخرج بعد ثمانية شهور ويقيم في منزل والديه بمشاركة الممثل روبرت دي نيرو كوالده وأمه الممثلة جاكي ويفر.
ويخطط بات "كوبر" منذ خروجه لاستعادة زوجته التي يحبها بشتى الطرق بدءا من فقدان وزنه رغم القرار القضائي الصادر بحقه لمنعه من الاقتراب منها.
وتنطلق الأحداث بطريقة ممتعة من خلال لقائه مع تيفاني "جنيفر لورانس" التي فقدت زوجها وتعشق الرقص، ليتفقا على أن تنقل له رسالة لزوجته، مقابل أن يكون شريكها بالرقص والمسابقة، حتى يكتشف في النهاية عشقه لهذه الشريكة بعد دوامات من العراك والصراع الداخلي وإنكار المشاعر.
الإدمان والحب واللحظات الصعبة والتخطيط وكبح الذات والسيطرة على الأعصاب تندمج كلها في مشاهد الفيلم والمحيط العائلي والدعم والمحبة أيضا، عكست قدرات الممثلين الرئيسيين بدءا من جنيفر لورنس التي شاركت مؤخرا في فيلم The Hunger Games العام 2012 وفيلم Winter's Bone العام 2010، لفتت الأنظار إليها لتنال ترشيحا لأفضل ممثلة في الأوسكار القادم مع أداء كوبر أيضا للدور نفسه وهو طرح ما يزال غير رسمي.
ويحمل العمل لحظات من المشاعر المتضاربة لكلا البطلين التي يختبرانها وفق الحالة العاطفية وعبرا عنها بكل صدق، حتى تكاد تكون حقيقية جدا، بدءا من لحظات الغضب العارم والحزن والانكسار وحتى الشفقة واليأس.
وبتوقيع المخرج ديفيد أو راسل الذي قدم سابقا أفلاما منها Three Kings في العام 1999 وفيلم The Fighter في العام 2010، حمل الفيلم لمسة خاصة في إظهار معانيه، وتثبيت الكاميرا مع الوجوه لتلتقط الانفعالات الجدية، وتخلق أجواء تعكس كل العواطف كمرآة وسط تفعيل الموسيقى مع حركة الكاميرا، سواء كانت ناعمة أو صخبة، بدون أن تنفر الجمهور، مبرزا في الوقت ذاته الحماقات التي نرتكبها أحيانا والعمى الذي يسيطر علينا ونراه في لحظة تسقط فيها الأقنعة في اللحظات التي نخفق فيها.
ونال الفيلم استحسان النقاد بنسبة 91 %، بحسب موقع Rotten tomatoes، من أصل 173 رؤية نقدية، بعد أن افتتح في مهرجان تورنتو السينمائي عروضه، وما يزال يعرض حتى اليوم في دور العرض عالميا؛ إذ يبقى العمل مرتبطا ومشدودا منذ أوله حتى نهايته بتوازن حقيقي، ودعمه أداء الممثلين الرئيسين كوبر ولورنس، اللذين خلقا أجواء البهجة والفشل والألم والخوف من القلق والبقاء في وحدة بروح كوميدية مرضية لحد كبير.
أما الممثل برادلي كوبر فشارك في أعمال مختلفة تنقل بها بين شخصيات خارقة وقوية وأخرى كوميدية وعاطفية؛ فدوره في فيلم Limitless العام 2011، يحاكي البطولة الخارقة والتصميم، فيما دوره في الجزء الثاني من فيلم The Hangover في العام 2011 يعكس الروح الكوميدية والصخب في الحياة، وهو الدور نفسه الذي أداره في الجزء الأول من الفيلم نفسه في العام 2009 ورشح للأوسكار ثلاث مرات وللغولدن غلوب التي ستقام في الأسابيع المقبلة.