فيلم "الممر" خروجا من حصار "الهَلس"

سألَ طفلٌ عمره 12 عاما، والده في السيارة، "لماذا تراجعت الشجاعة بين العرب؟"، أُخِذَ الأب على حين غِرّة، هل يقول، "وكيف نعرف أنها تراجعت؟". حلل معه أنّ نهاية الاستعمار المباشر منذ عقود قلل فكرة المواجهة، ثم فكّرا في الدكتاتورية وقمع الرأي في الدول العربية، ثم فكرا أن ترسخ الدولة القُطرية (لم يقل له الدولة الأمة)، وتراجع الحماسة للعروبة، وانهيار السوفييت وتراجع الثورية اليسارية، وظهور "داعش" بين الإسلاميين، ورفض الناس لهم، ودخول جزء منهم دهاليز السلطة، كل هذا أدى لتراجع الرومانسية الثورية، القومية، واليسارية، والإسلامية. اضافة اعلان
فوجئا بإعلان فيلم "الممر" يتحدث عن حرب الاستنزاف، أوضح الأب، أن هذه عمليات فدائية وعسكرية قام بها الجيش المصري بعد حرب 1967، وقبل حرب 1973. تحمس الطفل، فهذا فيلم عن "الشجاعة". في طريقهما لمقاعدهما، فكّر الأب، قبل أعوام خرجت مسلسلات وأفلام، مثل "حارة اليهود"، وعن العلاقات الممكنة إنسانياً، وبغض النظر عن أن عوامل تجارية قد تكون وراء ذلك، وأنّ ما فيها كلمات حق، قد تؤدي إلى باطل، أو إلى حق، فإنّ عودة أفلام الصراع العربي الإسرائيلي، والفدائيين، ربما لها معنى.
تشاهد وتسمع أنغام موسيقى عمر خيرت، فتعرف أنّ الفيلم أيضاً مناسبة لتقديم عمل فني موسيقي جديد.
تُشاهِد القيادة الإسرائيلية في افتتاح الفيلم، أغنية وطنية لأم كلثوم، العام 1967، ويناقشون أنّ هناك شخصا يجلس خلفها يُلقّنها ويذكّرها بكلمات الأغنية، ويستنتجون أن الفنانة المعروفة برصانتها وعنايتها بعملها، اضطرت لتهيئة الأغنية بسرعة، وأنّ هذا بقرار من رئيس مصر، جمال عبدالناصر، وأنّ هذا ربما تمهيدٌ للحرب.
يمكن تقسيم الفيلم إلى قسمين، الأول السياق الاجتماعي السياسي الذي طغى على الجزء الأول منه، واستمر في خلفية الجزء الثاني، مع غياب نسبي مفهوم ومقبول، للسياق السياسي الرسمي للحرب (1967)، ومع غياب شبه تام للحديث عن تبعات الحرب خارج مصر، فالتركيز كله كان على مصر وسيناء. الجزء الثاني من الفيلم، يتعلق بعملية عسكرية وقعت خلف خطوط العدو، بعد الحرب، من قبل فرقة صاعقة مصرية، وهذا الجزء الذي يرضي الجمهور الذي يحب أفلام الحركة والحرب، دون أن يخلو من أبعاد إنسانية ووطنية وعاطفية وكوميدية.
في تقديم حرب 1967 يعكس الفيلم أنّ أموراً ثلاثة قُصفت. في أول ساعة "تحطمت الطائرات المصرية عند الفجر"، بعد ذلك "حُصِدت" أرواح الجنود وقتلوا بالجُملة، ثالثاً، مع نهاية الحرب تدمر النسيج الوطني السياسي الاجتماعي الفني العائلي للمصريين.
مقابل أغنية أم كلثوم، تجلس (بعد الحرب) راقصتان تمتلكان ملهى ليليا ورثتاه عن والدتهما "المعلمة إحسان"، وتخبران صحفيا قاعدة علمية في صناعة الترفيه، تعلمتاها من والدتهما، أنّه في سنوات الهزيمة تَروج بضاعة "الهَلس"، أي التفاهة والذوق المتردي، ويغيب العقل، وتتراجع المضامين لصالح التوهان، وتخبرانه أنّهما تريدان منه إشهارهما في الصحافة مقابل أموالهما. في الواقع هذا الحديث عن تغير نوع الموسيقا والفن، بعد حرب 1967، في مصر تحديداً، رغم صعود المقاومة الفدائية، توقف عنده الإعلامي والسياسي الفلسطيني، نبيل عمرو، مؤخرا في روايته "وزير إعلام الحرب"، وكيف تغير نمط أغاني عبدالحليم حافظ مثلا.
عدا تردي الفن، يتناول الفيلم ما يمكن تسميته شعور الرجال (الضباط المهزومين في الحرب) بنقص في رجولتهم، لدرجة محاولة المتزوج الابتعاد عن زوجته، والخاطب تحرير خطيبته من الالتزام، وآخر يرفض العودة لأمه وأبيه، ويقدم الفيلم المرأة بأنها وقفت بجانب الرجل وأقنعته أنّ "المباراة" لم تنته، أو قاتلت معه. ويتناول الفيلم، كيف أصبحت أزمة المرور، وقلة الطعام، وفشل التنمية، مرتبطة بالحرب، وشعور أن الهزيمة شاملة. ويوثق شيوع النكتة الساخرة بين المصريين من الضباط والجنود والقيادة السياسية، حتى يثور ضابط جيش ويدمّر مقسم هواتف ماطل قي إعطائه حق الحديث، وقال له موظف البريد، ساخرا، "سحبوا الخطوط" في إشارة لخطوط الهاتف، مع لمز من "انسحاب" الجنود.
الفيلم أولاً، يعيد الاعتبار لفكرة المقاومة والنهوض من جديد، اسمه الممر، إشارة لفتح ثغرة في الحصار. ثانياً، الفيلم فيه رقي في المضمون السياسي والاجتماعي في الأفكار والتحليل. ثالثا، الفكر يقدم سخاء في الإنتاج، وفي استقطاب طاقات موسيقية وفنية.