فيلم "وطن": تساؤلات صامتة عن مصير بلاد الشركس الأصلية (فيديو)

مشهد من فيلم "وطن" - (أرشيفية)
مشهد من فيلم "وطن" - (أرشيفية)

إسراء الردايدة

عمان- "وطن" هو فيلم جديد، محمل بصور شامخة وطبيعة خلابة ذات مناظر ساحرة، لم تمسها أيادي البشر ولم تخربها العوامل المحيطة.اضافة اعلان
لكنها تحمل في كل مشهد منها، ألما تعكسه كل صورة على حدة، وكأن لكل واحدة منها وجهين هما الألم والجمال، وانسجما معا بطريقة متناقضة، ليكون الجمال هو وجه وثمن الألم في مكان واحد، يحكي تاريخ حضارة الشراكسة التي ما تزال تعاني من التهجير والفراق لأحبتها وأبنائها.
وهذه الصور التي اجتمعت معا في عمل غير ناطق، تحكي بكلمات غير منطوقة، وصداها هو الموسيقى لتولد مشاعر مختلطة في رحلة عميقة تتوغل في بلاد القفقاس -تشركيسيا، وهي من إخراج معتز جانخوت.
وجاء عرض الفيلم أول من أمس برعاية سمو الأميرة ريم علي، وبتنظيم نادي الجيل الجديد على مسرح مركز الحسين الثقافي، وهو محمل بلغة بصرية عالية رغم الإغداق الموسيقي فيها، الذي قدمته الزميلة الإعلامية لارا طماش.
وأنتج الفيلم على عامين من أجل اختيار لقطاته والخروج بصيغته النهائية، بمدة 86 دقيقة، وهو إنتاج أشرف جانخوت ومعتز جانخوت، وكتابة وإخراج معتز جانخوت، وتصوير جعفر النوفل، وتأليف وتوزيع موسيقي سامر سامي، وإدارة إنتاج جملان شفاقوج، وتنسيق إنتاجي محمد أبش.
وللفيلم طابعه الخاص، فهو لا ينتمي لعمل روائي أو تسجيلي، ولكنه يتراوح بين الاثنين، ليخوض في رحلة الكشف عن جمالية هذه الدولة، التي ما تزال صامدة حتى اليوم، منتظرة أن يعود أبناؤها إليها من دول الشتات، جراء التهجير القسري من قبل القياصرة الروس في العام 1864، والتي استمرت حتى اليوم بانتشار السكان الشراكسة في أرجاء المعمورة.
ويطرح المخرج تساؤلات مختلفة بصمت في فيلمه من خلال المشاهد الخلابة التي تحمل ألما وقسوة، وكأن هذا الجمال ثمن لما عانته ودفعته من دماء أبنائها، فالقرى الجميلة في الجبال شبه خالية، والخضرة التي توحي بالحياة والوفرة عقيمة؛ إذ لا شباب في هذه البلاد.
فالشعب الأصلي لا يعيش بين أحضانها، فيما هي قابعة تنتظره حتى يعيد إليها بسمتها، وفي الوقت ذاته تبرز المقابر الأزلية، وكأنها شاهدة على ويلات هذه الأرض التي دارت على أرضها معارك على مدى الزمن بفواصل لا تتعدى فترات زمنية متتالية كانت آخرها من العام 1992.
وكان للفيلم طابع خاص من حيث الصمت الذي رافقته موسيقى جميلة، غير أنها طغت على صوت الطبيعة الخلابة والتي كان بالإمكان التخفيف منها وتسويغ صوت الطبيعة لتعكس هذا الألم وحتى الاشتياق لأبنائها.
ومع تنقل المخرج وفريقه في ثلاث جمهوريات شركسية من شمال القفقاس شملت كلا من جمهورية كباردينو-بلقارايا، وجمهورية الأديغية وجمهورية أبخازيا في رحلة دامت 70 يوما، تمكن من التقاط خيوط الجذور الشركسية التي تمثل الشموخ لسكانها والأصالة والوطن الأصلي والتوق الفائض لأحضانه.
وبلغة رمزية من خلال شخصيات وحتى رموز طبيعية، طعم جاتخوت فيلمه فيها من خلال اختيار سيدة طاعنة في السن عاشت بمفردها في قريتها أكثر من 50 عاما، منتظرة أن يتغير الغد، إلى جانب الخيول التي هي رمز الفروسية والأشجار والجبال الشاهقة الارتفاع التي ترمز للفروسية والشموخ للشراكسة، وفي الوقت ذاته تحمل القسوة المطعمة بالألم، لما فقدته من أبناء على مر السنون.
كل التساؤلات تجد إجابة فردية لها من خلال المُشاهد المتأمل لمَشاهد، ولكن قد تضيع أحيانا في العمل نفسه تساؤلات، بسبب الانفجار الصوري فيه والموسيقى، ولكن بمجمله يعد عملا ذا لغة بصرية عالية، تكشف خزائن وكنوز هذه الأرض الغنية بتاريخها وناسها رغم صراعاتها الدموية القاسية التي أخذت منها أحبتها.
أما فريق عمل الفيلم بدءا من مخرجه وهو معتز جانخوت، فهو حاصل على 6 جوائز دولية بخبرة 145 في مجال الإنتاج السينمائي والتلفزيوني عربيا وعالميا، وهو المدير التنفيذي ومؤسس شركة THINKFILMz LT.
وشارك جانخوت بـ36 مشروعا، وفيلمه هذا هو الأول له عربيا والثامن عالميا، وهو مخرج وكاتب السلسة الوثائقية "العدالة الغائبة"، المكونة من سبعة أجزاء بثت العام 2004 على أكثر من 20 قناة ومحطة تلفزيونية؛ كقناة الجزيرة الإخبارية وقناة المستقبل الفضائية.
وكان لهذه السلسلة دور في فتح تحقيق متعلق بعملية الدرع الواقي الإسرائيلية التي نفذت في الضفة الغربية من فلسطين المحتلة، إلى جانب إخراجه وكتابته لفيلم "رسالة من سارة"، الذي عرض حصريا داخل مجلس العموم البريطاني من خلال النائب البريطاني السابق "جورج غلووي" وعلى إثره مُنع معتز جانخوت بفعله منذ العام 2001 وحتى اليوم من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومن أهم أعمال الأخوين أشرف ومعتز جانخوت، إنتاج وكتابة وإخراج مشروع المتحف الوطني الأردني السمعي البصري، المكون من 16 فيلما وثائقيا تفاعليا تقدم تاريخ وحضارة الأردن وموروثها الثقافي وعاداتها وتقاليدها وكنوزها التاريخية والأثرية بأفكار وأنماط مختلفة. إلى جانب تنفيذهما كتابة وإخراج السلسلة الوثائقية "الحكم"، وهي سلسلة وثائقية ضخمة من أربعة أجزاء، وفتحت التحقيق في الحروب الإسرائيلية- اللبنانية على مدى التاريخ. واستطاعت أن تقدم أدلة بالصوت والصورة ومن خلال منظمات حقوق الإنسان العالمية كمنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، واستطاعت إثبات الخروقات للقانون الدولي وجرائم الحرب التي ارتكبت على الأرض منذ العام 1967 وحتى العام 2006. السلسلة "الحكم" قابلت بالصوت والصورة ما يزيد على 90 شخصية من الخبراء والمحليين والضحايا وشهود العيان وفتحت التحقيق بـ20 قضية خرق للقانون الدولي، ونجحت في تقديم شهادات مفزعة من شهود عيان وضحايا وخبراء ومحققين وتوضح حقيقة الذي كان يحصل على الأرض اللبنانية خلال زمن الحروب.