في أرض الإسلام كان ثمة حلم بالديمقراطية.. لكنه مات الآن

كتابة تقول "لن نستسلم أبداً" على حائط تونسي - (أرشيفية)
كتابة تقول "لن نستسلم أبداً" على حائط تونسي - (أرشيفية)

ياسمين علي باي براون – (الإندبندنت) 9/8/2013

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

من المؤلم كتابة هذا المقال بينما يحتفل المسلمون بعيد الفطر بعد شهر رمضان. وعادة ما يكون الصيام في الصيف صعباً -19 ساعة بلا ماء، أو أي سوائل أخرى أو طعام. وذلك يختبر قوة الفرد وإيمانه. كما يفترض في الصائمين أن يزيدوا من عطائهم للمعوزين. إنه وقت ليشعر فيه المرء بالرضا عن كونه مسلماً.
بالإضافة إلى ما سبق، يفترض في المسلم في رمضان أن يتأمل أيضاً في الدين نفسه -في مغزاه ومستقبله. وعندما أفعل ذلك، سرعان ما تتبدد من نفسي سكينة رمضان ومتعته، وأمتلئ بمشاعر الذنب والخجل والقلق. إن المسلمين يحاولون جاهدين أن يعيشوا حياة جيدة. ومع ذلك، يجري في كل أنحاء العالم ارتكاب أكثر أعمال العنف فظاعة على يد المسلمين، وفي الغالب الأعم ضد شركائهم في الدين. كما أن الوعود بالديمقراطية تخفُت وتتلاشى الآن مثل سحابة صيف؛ الحريات تُختطَف، والاستقلال الشخصي يُسحَق، والمساواة تُمحى من قاموس المفردات الرسمية. ثمة البؤس والشقاء في كل مكان. وفي كل أنحاء العالم، يموت المسلمون من أجل أن يكونوا أحراراً، ولكي يعيشوا في مجتمعات عادلة ونزيهة. كان الربيع العربي حقيقياً ونزيهاً، وانتفاضة من أجل المطالبة بالحقوق الإنسانية وإعادة تشكيل الأمم المتحجرة التي يحكمها الطغاة. وقد تسمر العالم أمام تلك اللحظة غير العادية، فماذا حدث بعد ذلك؟
في تونس، حيث بدأ كل شيء، راح قائدان شعبيان علمانيان، شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ضحية للاغتيال هذا العام، وأصبح الناس خائفين وخرجوا إلى الشوارع مرة أخرى. ووراء في العام 2011، قال طبيب بيطري مصري شاب لمراسل صحفي: "لقد سئمنا من المجلس العسكري الذي يستخدم أدوات مبارك نفسها". والآن، عاد الجيش ليعرض نفسه كجيش ليبرالي. وقبل الانقلاب، تحولت جماعة الإخوان المسلمين المصرية، بمجرد انتخابها، إلى الاستبدادية. والأسد، جزار سورية، ابتسم بطريقة انتصارية خلال صلوات العيد؛ ابتسامة كان يسحق بها فكرة الديمقراطية ذاتها بكل الوسائل الضرورية. وتم تطبيع المجازر والتعذيب في هذا البلد البائس الذي يفر الملايين منه لاجئين إلى الأردن.
إن العنف، كما يبدو، هو الإجابة السهلة عن كل مشاكل المسلمين. انظروا إلى لبنان، والعراق وباكستان -وفي البلدان التي يتقاسم فيها المسلمون الأرض مع آخرين. في شمال نيجيريا، حيث تذهب العداوة المسيحية-الإسلامية عميقاً، تقوم جماعة بوكو حرام بذبح وتفجير المسيحيين من أجل إثارة حرب دينية. وفي ليبيا، تتصاعد الفوضى ولا تتوقف دائرة الثأر أبداً. ويذهب سيف الإسلام إلى المحاكمة في بلد ينعدم فيه القانون.
في الشهر الماضي، وفي يوم واحد فقط في العراق، قتل أكثر من خمسين شخصاً. ويتعرض مسلمو الأقليات في بعض المجتمعات في باكستان للقتل المتكرر، وكذلك حال الفتيات والنساء، لأنهن تجرأن على الحياة. وقد كشفت تلك الرسائل من زعيم طالبان إلى ملالا يوسفزاي كيف يفكر الملايين من الناس في تلك الأنحاء. وفي شرقي أفغانستان، قتلت قنبلة مخبأة في سلة قمامة في ننغارهار سبع نساء وسبعة أطفال كانوا قد خرجوا للاحتفال بالعيد.
كانت الدولة التركية بمثابة الأمل الأبيض العظيم (عذراً للتعبير) للعالم الإسلامي. كان رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان سياسياً إسلاموياً معتدلاً اعتنى بمواطنيه، وحسن الاقتصاد وبدا شاملاً ومحترماً لكل وجهات النظر. ثم كشف عن ألوانه الحقيقية. وهناك، تعرض العلمانيون ودعاة حماية البيئة الذي خرجوا لحماية متنزه في إسطنبول من "التطوير"، وللتنفيس عن المظالم الأخرى، إلى القمع بوحشية. وتم قصف حفلة زفاف في المتنزه بالغاز المسيل للدموع. والآن، جرى سجن العشرات من قادة الجيش العلمانيين، والأكاديميين والصحفيين مدى الحياة بتهمة "المؤامرة العميقة" ضد الدولة. وتحتجز تركياً مسبقاً من الصحفيين أكثر من أي بلد آخر. والآن، أصبح بإمكان أولئك الذين أرادوا الإبقاء على تركيا خارج الاتحاد الأوروبي لأسباب خاطئة، أن يجادلوا –عن حق- بأن القيادة في بلدهم لا تكاد تفهم المبادئ الأساسية للحرية والديمقراطية.
صحيح أنه يمكنك العثور على الظلم والقادة المستبدين في الدول غير المسلمة أيضاً -في روسيا، زمبابوي والصين، على سبيل المثال. لكن هذه الأماكن ليست دليلاً على وجود نمط؛ على وجود مرض ثقافي منتشر. لكن المرء يستطيع العثور على ذلك النمط، على ذلك المرض، في أجزاء واسعة من العالم الإسلامي. وكنت قد تساءلت في إحدى التغريدات على "تويتر" عن السبب في أن المسلمين على مدى اتساع العالم مدمرون إلى هذا الحد، وعاكفون على تدمير ذاتهم أيضاً، وهو ما استدعى الكثير من الردود على الإنترنت وفي البريد. وكان بعضها قادماً من المتعصبين المعتادين، وكذلك من الأتباع المتعلمين للملحد آية الله ريتشارد دوكينز -والتي تئز وتلدغ مثل الدبابير في أواخر الصيف، مطالبة بأن تُضرب بعنف. وكانت التعليقات الأكثر إثارة للمشاعر هي التي تدفقت من المسلمين الجيدين أنفسهم.
كتبت لي نائلة، المرأة المصرية التي كنت صادقتها في القاهرة مباشرة بعد سقوط مبارك: "هل تتذكرين يا ياسمين، لقد كنت معنا خلال العيد وكنا سعيدين جداً. وقد أهديتني شالاً وأهديتك العطر. كنت أفكر أن مصر قد أصبحت حرة، مصر حرة. لكنها ليست كذلك. ذهبت إلى الميدان مع المصريين الأحرار الآخرين ثلاث مرات، وحاول الرجال هناك لمس جسمي، ودفعي، وقام أحدهم برفع بلوزتي إلى الأعلى ودفعني إلى الأرض. إن بلدي الآن في سجن كبير. لن يصبح المسلمون أحراراً أبداً. إنهم لا يعرفون ما يفعلون بالحرية. يمكننا فقط أن يكون لنا حكام دكتاتوريون. صلي من أجلي يا أختاه، ومن أجل بلدي".
وإذن، هل هي على صواب -أنه لا يمكن أن يسيطر على المسلمين سوى الطغاة؟ كلا. إنها مخطئة بالمطلق. إن بعض أكثر النشطاء الذين أعرفهم تحمساً للديمقراطية هم مصريون، وجزائريون، وليبيون، وعراقيون، وباكستانيون وأتراك وإيرانيون. وتفضل الحكومات الأميركية والأوروبية ذات الوجهين الدكتاتوريات الإسلامية (مثلما في دول خليجية) على الانتخابات الفوضوية، بينما لا تفعل هذه الحكومات أبداً أي شيء إزاء طموحات إسرائيل وعملياتها غير القانونية. لكن هؤلاء الديمقراطيين يريدون في بلدانهم استحقاقات الديمقراطية التي يتمتع بها المسلمون في أوروبا وأميركا الشمالية. للأسف، بعد هذا الصيف -الذي كانت الوحشية فيه هي العلامة المعتادة للقادة، فضلاً عن المواطنين- تبدو تلك الطاقة، والحماس، والتفاؤل، وأنها في طور الخفوت جميعاً. ثمة ريح واقعية جديدة تهب.
إن المسلمين يصبحون أكثر انتقاداً للذات، وللوقت أيضاً. هناك البعض الذين يعتقدون الآن بأن هذا هو عصرنا المظلم، عندما يتسيد الغضب ولا يكون ثمة مكان للفكر، والعقل، والإنسانية، والحب، والمسؤولية الحضارية، والتعاون، والتي كانت كلها جزءاً من حضارتنا الإسلامية العظيمة الماضية. في رد على تغريدتي المذكورة، أرسل لي أحمد -أحد قراء الإندبندنت- قصة قصيرة (ليست للنشر)، والتي يترك فيها مفجر انتحاري ملاحظة تقول: "البنادق والقنابل قتلت الإسلام. إنني أموت. ليس هناك أمل". لكن هناك أمل في الحقيقة. يجب أن يكون هناك!

*نشر هذا المقال تحت عنوان:
 In Muslim lands there was a dream of democracy. But now it has died

اضافة اعلان

[email protected]