في أوكرانيا ستقام دولة فلسطين

هآرتس

بقلم: ديمتري شومسكي

اضافة اعلان

يجب الاعتراف بأنه رغم وجود تشابه طفيف بين محاولة روسيا احتلال أوكرانيا وبين احتلال إسرائيل لفلسطين، إلا أن الفرق الجوهري بين الحالتين كبير. القوات الأوكرانية تظهر مقاومة حازمة، عنيفة ومسلحة، امام الجيش الروسي المحتل. وقد نجحت كما يبدو حتى الآن بقتل آلاف الجنود الروس. وها هو العالم الحر كله يصفق لهم بدون توقف ويعتبرهم ابطال يحاربون من اجل حرية شعبهم الوطنية. في المقابل، اذا قام الفلسطينيون بمهاجمة وقتل جنود الجيش الإسرائيلي في المناطق المحتلة، فهم سيعتبرون إرهابيين متعطشين للدمار، ليس فقط من قبل الإسرائيليين (الامر المفهوم تماما إزاء النزاع القومي الدموي)، بل أيضا من قبل الدول الغربية تلك التي تحبس الانفاس وهي تشاهد بطولة المقاومة الأوكرانية.
سبب هذا الفرق واضح جدا. فالاوكرانيون لهم دولة قومية معترف بها وشرعية، في حين أن الفلسطينيين هم قومية بدون دولة. الدولة، مثلما احسن وصفها في حينه احد الاشتراكيين الكبار، ماكس فيبر، هي تلك السلطة في داخل المجتمع التي تمسك بيدها احتكار استخدام العنف الشرعي. من المفهوم ضمنا بناء على ذلك أن العنف الذي يستخدمه جنود الجيش والمواطنين المسلحين في الدولة الأوكرانية ضد الجنود الذين قاموا بغزو أراضيها يعتبر من قبل المجتمع الدولي مشروع. خلافا لذلك، شرعية العنف من جانب جمهور ليست له دولة دائما ستكون مشكوك فيها.
هنا تتضح بكامل العبثية ثرثرة ما بعد الحداثة حول "نهاية عصر الدولة"، وهو الشعار الذي ظهر دائما في خطاب العولمة ما بعد القومية. حيث أن الدولة القومية بصيغتها "القديمة"، دولة ذات سيادة ومستقلة في حدود معترف بها من قبل أسرة الشعوب، هي الآن الذخر الأكثر حيوية بالنسبة للشعب الاوكراني، الذي يعطيه الحق الثابت للدفاع عن الذات من محتل اجنبي.
الشعب الفلسطيني، في المقابل، الذي ليست له دولة قومية خاصة به متروك لمصيره امام دولة إسرائيل المحتلة التي تطرد وتسلب ممتلكاته، بدون الحق المتفق عليه من قبل جانب المجتمع الدولي للرد بقوة على سلطات الاحتلال الإسرائيلية. هذا أيضا عندما يدور الحديث عن مقاومة لجنود مسلحين، الذين وجودهم على أراضي فلسطين المحتلة استهدف تأمين سلب الأراضي الفلسطينية وضمان
استمرار الترويج لليوتوبيا القومية المتطرفة – المسيحانية التي هدفها هو طرد الفلسطيني من وطنه.
الدرس الرئيسي الذي يمكن استخلاصه من المعركة الروسية – الأوكرانية الحالية هي أن الدولة القومية ما زالت تشكل الاطار الأساسي الوجودي المفهوم ضمنا لدفاع الانسان امام الانسان ودفاع القومية امام قومية أخرى. بسبب ذلك معظم المجتمع الدولي لا يشتري ديماغوجيا "الحكم الذاتي" لبوتين والتي تقول بأنه من الأفضل للاوكرانيين، "الاخوة السلافيين الصغار" للشعب الروسي الكبير، أن يعيشوا في اطار الفيدرالية الروسية متعددة القوميات.
هنا تكمن المشكلة. تحت غطاء الخطاب ما بعد القومي التقدمي يريدون بيع هذه البضاعة المتعفنة للفلسطينيين، سواء بوصف "دولة ثنائية القومية" أو على شكل أي كيان غريب اقل من دولة آخر، في الوقت الذي فيه بالفعل اذا قام حقا كيان من هذا النوع في أي يوم هنا فسيكون هذا بالنسبة للفلسطينيين هو سلالة أخرى من "خطة ترامب" أو "اقل من دولة". حيث أنه بالضبط مثلما هو الامر هناك، اذا انضمت أوكرانيا للفيدرالية الروسية فان هيمنة روسيا على الشعب الاوكراني ستبقى موجودة، مثل هذا الامر سيحدث أيضا في اطار "الدولة الواحدة" في إسرائيل/ فلسطين. وهكذا للأسف الشديد، في اطار كونفيدرالية التي كما يبدو من شأنها أن تضمن مساواة كاملة بين دولتين سياديتين مستقلتين، فان الإسرائيليين اليهود من غير المتوقع أن يتنازلوا عن تفوقهم القومي امام الفلسطينيين (الفلسطينيون أيضا من ناحيتهم لا يتوقع أن يتنازلوا عن حلمهم في أن يمسكوا بأيديهم زمام الهيمنة القومية).
اذا يمكن الامل بأنه وكنتيجة للحرب في شرق أوروبا على أمل أن تنتهي بترسيخ الاستقلال السياسي الكامل لاوكرانيا، فان مجرد مبدأ السيادة القومية سيحصل على تعزيز ويتم تأكيده ويصبح قابل للتطبيق في الخطاب الدولي. بالمناسبة، مسموح لنا الأمل بأن نموذج الدولتين، الذي لا يتوقفون عن دفنه هنا في السنوات الأخيرة، سيعود بكامل القوة على اعتبار أنه الطريقة الصحيحة للمصالحة والمساواة الحقيقية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.