في "إيميلات" السيدة الأولى

ضحى عبدالخالق*

السيّدة هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجيّة والسيناتور المُنتخبة عن مدينة نيويورك، سابقاً، كما كانت السيدة الأولى، وهي اليوم المُرشّحة لسدّة الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركيّة، لم ترتكب جريمة تستحق الاقصاء. هكذا خلص تقرير لرئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي، وهو أعلى جهة تحقيقيّة حسمت بشأن واقعة التراسل الخاطئة من قبل السيّدة الأولى. والموضوع باختصار هو أنّ لكل من موظفي الدولة "إيميله" الخاص الذي تمنحه له المؤسّسة ضمن شروط إنشاء واستخدام خاصّة، بحيث تتم استضافة كل ما فيه من معلومات وأرقام (وحواديت) على خوادم خاصّة (SERVERS) تُديرها أنظمة وقوانين المُؤسّسة أو الإدارة الرقابيّة العامّة، ضمن شروط تقنيّة ولوجستية عالية بالحماية. و"الإيميل" هو "عهدة" وامتياز محدد المدة، وبشروط العمل الخاصة، مثل أي مورد من موارد الدولة التي بدورها تستطيع استرداد البريد الإلكتروني من الموظّف عند الاستقالة، أو لأي سبب قانونيّ آخر. اضافة اعلان
وما حدث في قصة المحامية هيلاري رودهام كلينتون، أنّها ببساطة قامت بإجراءات التراسل عبر "إيميلات" ورسائل نصيّة باستخدام حسابات "الإيميل" الشخصية لها، ووسائط تواصل مُنفردة. وتضمّن التراسُل معلومات وترتيبات عمل عامّة. وقامت بذريعتي السُرعة القصوى والخصوصيّة، باستضافة بعض من آليّات التراسل والمُراسلات على خوادم مُنفصلة عن تلك المُخصّصة لها وللمُسمّى الوظيفي (وزيرة خارجية)، متجاوزة بذلك المؤسّسات الرقابية المعنيّة، ما استدعى تحريك خصومها اتهامات شرسة لها، من بينها تعريض أسرار الدولة أو أفرادها أو مصالحها أو معلومات مهمة للخطر، وتعريض حساب المعلومات للقرصنة والإهمال المُقصي من سباق الرئاسة. ولم يكن من بينها اتّهامات بإفشاء مقصود لأسرار الدولة أو سوء استخدام الشبكة والمحتوى بالمعنى الجنائي.
في الأردن، نجد أنّ عددا من موظفي الصف الأوّل في القطاع العام، ومسؤولين في وزارات ومؤسّسات حيويّة، يتراسلون للآن عبر وسائط التراسل المُتوافرة مثل "واتس آب" و"ماسنجر"، و"Hotmail" و"Gmail" وغيرها. ولا أعلم بنصّ قانوني يمنع ذلك من حيث المبدأ. لكن من المفهوم أنّ "مُدوّنة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيّات الوظيفة العامة" الصادرة عن وزارة تطوير القطاع العام، قد أفردت نصوصا قريبة، من أهمّها أنّ واجب الموظّف العام هو "الحفاظ على السريّة"، بحسب المادة (7). ويتمّ ذلك عبر "عدم الافشاء للغير عن المعلومات التي اطّلع عليها أثناء الوظيفة شفهيّا، أو كتابيّا أو إلكترونيّا". وأيضا في المادة (11) نجد أنّ "على الموظّف العام أن يحتفظ بالحاسوب ولا يقوم بتنزيل البرامج إلا بعد مُراجعة قسم الحاسوب. وعليه الحفاظ على سرّية المعلومات".
والواقع أنّ كثيرا من موظّفي الصف الأول يستخدمون حسابات البريد الدوليّة وتطبيقات جديدة غير آمنة مُستضافة خارج الشبكة الحكوميّة الآمنة (SGN). وهذا يؤدّي، من حيث المبدأ، لتعرّض معلومات التراسل الأردنيّة العامّة بكل محتوياتها للخطر!
والدروس المستفادة من قضيّة كلينتون هي أنّه لا يجوز لموظفي الدولة التراسل والتخاطب إلا على حسابات "إيميلات" شبكة الدولة الآمنة وخوادمها فقط تحت الرقابة. وهي مُفترضة من المادة 11/ هـ/ 4 التي أوردت أنّه "ليس هناك أية خصوصيّة فيما يتعلق بالرسائل التي تصل إلى أي موظّف والتي يُرسلها من خلال نظام البريد. والرقابة مُصرّح بها من دون اخطار مُسبق".
وقياسا، فقد أهملت في الواقع السيدة الأولى البروتوكول إهمالا شديدا، عكس السلوك المُتعارف عليه باستخدام الشبكات الآمنة في كل الإدارات، تعزيزا لعنصري الرقابة والشفافيّة أثناء عمل الموظّف العام وفي كلّ الأوقات!
ولكن تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي خلص إلى أنها "لم تعلم ما تفعل". وهذا بدوره تكييف قانونيّ خطير! مع التذكير بعدم وجود القصد أو توافر سوء النيّة لدى السيّدة الأولى عند قيامها بعمليات التراسل.
وتوجد الإشارة ذاتها في قانون جرائم أنظمة المعلومات الأردني الذي اشترط القصد أو سوء النيّة في جرائم المعلوماتيّة، ما سيستدعي في وقت قريب تفصيلا أوضح لهذه الجزئيّة عندنا. كما وسنشهد ازديادا ملحوظا في مثل هذه القضايا.
باختصار، إنّ أي استخدام للتراسل خارج الشبكة الحكوميّة الآمنة هو "من الناحية التقنيّة" تعريض لمعلومات عامّة للخطر. وسواء كان ذلك بقصد أو من دون قصد، فإنه إهمال في التعامل بقضايا العموم على منصّات غير آمنة. وعليه، يُمكن بسرعة تضمين القيد الجديد ضمن قانون جرائم أنظمة المعلومات الأردني الحالي، ولينسحب على السلوك الإلكتروني لأفراد الإدارة العامّة بشكل واضح.

* خبيرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات