في البحث عن الوعي!

قصةُ عامل الوطن الذي شاركَ جلالةَ الملك ووليَ العهد حضور مباراة منتخبي الأردن والشقيقة سورية، وما أثير بعدها من لغط تسيّد الترويج له، للأسف، مراهقو عقل لا عمر، ممن حاولوا التقليل من أهمية اللفتة الملكية والإشارة إلى أنها قصة مفبركة، تطرح مجددا الجدل حول وعي المتلقي لما ينشر من إسفاف على مواقع التواصل الاجتماعي، وكيفية التعامل معه. قد يسعى البعض لأن يعيث فسادا في عقول المواطنين عبر استغلال منصات العالم الافتراضي من أجل الترويج لإشاعات متنوعة الأهداف والمغزى، لكن ما لا يمكن تصوره أو تقبّله، هو الاستسلام لما يُبثُّ من سموم والتعاطي معها على اعتبار أنها حقائقٌ راسخةٌ، حتى من دون أن نفكرَ أو نُخضِعَ تلك السموم للتساؤل! مع تعددِ التجاربِ الأخيرةِ بهذا الشأن، فإنّ الواقعَ يعكسُ وجودَ مشكلةٍ مزدوجةٍ في التعامل مع روّاد هذه المواقع، إذ إن الأزمة لا تكمن فقط في مواجهة المتنطحين للطعن في أيّ مُنجز أو لفتة أو نجاح عبر التقليل من أهميته، أو السعي إلى خلق أجواءٍ سوداوية في المملكة؛ وكأنّنا نعيش في جحيم لا يُطاق، بل في عدم امتلاك المتلقي القدرة الكافية للتفريق بين ما هو غثّ وما هو سمينٌ. السلبيةُ يحمل لواءَها عابثون على شبكة "الإنترنت"، وهي لا تتوازى في خطورتها مع غياب الوعي الذي من الممكن أن يكون مدمّرًا في بعض الحالات. أما الوصول إلى الفئة العابثة فأمرٌ هيّن مهما حاولتْ الاختباءَ خلف جهاز كمبيوتر أو هاتف ذكي، فهناك وسائل تكنولوجية عديدة يمكن من خلالها الاستدلالُ عليهم، وهو دورٌ منوطٌ بوحدة الجرائم الإلكترونية التي ثبت أنها على قدر هذه المسؤولية. إنّما الأمرُ الصعبُ يكمن في محاربة الجهل المتسيّد لدى بعض متصفحي مواقع التواصل الاجتماعي، والذين لا يتورّعون عن ترديد أيّ مقولةٍ مهما كان حجمُ سُخفها أو خِفتها، حيث أن ذلك يحتاج إلى معالجة بنيوية كاملة، وهو أمرٌ يكاد يكون مستحيلا، فسرعة نشر الإشاعة يفوق بعشرات المرات تبادل تفسيرها ودحضها، ما يؤشرُ إلى أنّ الناسَ، وفق ما تؤكده دراسات نفسية، تستهويها الإشاعات أكثرَ من الحقائق. ليس هذا ما يلفتُ الانتباهَ، فقط، ففي قصة الفيديو الذي تنتجه قناة "الكأس" القطرية الرياضية حول اللفتة الملكية، بدا واضحا أن هناك تجرؤا على القانون، ويعكس ذلك تعمّد عدد من الأشخاص إلى استخدام لغة التحدي أثناء ترويج القصة على أنها مفبركة، فيقول أحدهم "اسجنوني وإذا ما لقيت حدا بالسجن برجع". أيّ لغة، وأيّ ثقافة تستخدم ليعلن مثل هؤلاء بصراحة و"تبجح" انتهاكهم للقانون!. نؤمنُ بحرية التعبير، ونؤكد أن ذلك أمر مصان بالدستور والقانون والعُرف والعادات، وهو جوهر أي دولة ديمقراطية، ونؤمن بأن انتشار الإشاعة مرضٌ يستشري في جميع المجتمعات، وليس هناك وصفة سحرية للتخلص منه، لكننا نؤمن بالوقت ذاته أن هناك سيادة للقانون يجب أن تطبق في مثل هذه الحالات، وبكل حزم وقسوة!. من الغُبن أن تقضي دولة بحكومتها وأجهزتها وشعبها يوما كاملا في دوامة "السوشيال ميديا"، وهي تلاحق أولا مفبرك القصة، وتسعى ثانيا لإقناع الناس بأنها قصةٌ مفبركة وغير حقيقية، فيما يأتي متبرعون عن جهل أو قصد لترويجها من خلال تناقلها عبر صفحاتهم بدون تروٍ أو تفكيرٍ أو استخدامٍ للحدّ الأدنى من العقل!.اضافة اعلان