في الحجر المنزلي (7)..!

أسرى الحرية
غداً يوم الأسير الفلسطيني. الآلاف من الرجال والنساء والأطفال في فلسطين المحتلة يعانون في سجون الاحتلال الصهيوني، خطيئتهم عشق بلدهم ونضالهم المشروع من أجل الحرية. وتصل أحكام سجن بعضهم إلى أكثر من مائة عام.اضافة اعلان
يضفي “كورونا” هذا العام بُعداً عملياً وتأمّلياً على محنة هؤلاء. فمن ناحية، يشكل وجودهم في الزنازين المكتظة التي لا ترى الشمس، في ظروف غير إنسانية بالكامل، خطراً حتمياً إضافياً على حياتهم في حال تفشى الوباء بينهم. ولا ثقة على الإطلاق في أن سلطة الاحتلال الوحشية ستحرص على سلامتهم.
ومن ناحية أخرى، ربما يشعر الناس الخاضعون لتقييد حرية حركتهم والمرغمون على البقاء في المنازل بسبب “كورونا” بما يعنيه فقدان الحرية والبقاء في مكان واحد. ولا مقارنة قطعاً بين المكوث في المنزل الآمن لساعات أو أيام، والحبس الجبري في سجن سيئ في كل شيء، حيث الإرادة محيّدة بالكامل والمصير كلّه مصادر.
الأسرى الفلسطينيون يدفعون حريتهم بالكامل ثمناً لأشرف الممارسات التي قد يذهب إليها إنسان: التضحية بالذات من أجل قيم الحرية والكرامة. ومع أن كل فلسطيني في أي مكان أسير بطريقته، فإن الأسرى في سجون الاحتلال يعيشون النسخة المتطرفة من كل المعاناة الفلسطينية والبشرية. لكنهم مع ذلك يعيشون ويأملون. بل إن العالم يمكن أن يتعلم من الفلسطينيين، في زمن “كورونا”، كيفية اجتراح الحياة والأمل من قلب العزل الطويل والحجر والحصار والطوارئ الدائمة، والبقاء أمام وباء الاحتلال القاتل الذي ليس له لقاح ولا دواء يُمكن أن يُصنّع في مختبر.

  • * *
    أندريا بوتشيلي
    كان مشهد أسطورة الغناء الأوبرالي الإيطالي، أندريا بوتشيلي، وهو يغني وحيداً في كاتدرائية ميلانو، مؤلماً بشكل خاص. عندما يغني بوتشيلي في غير هذا الوضع، لا تتسع أي قاعة للجمهور الذي يسعى إلى التحليق الروحي الذي يصنعه صوته المعجز. ولا بد أن يتخيل الذي رأى بوتشيلي في الكاتدرائية الخالية عمق وحدته بينما يرتد إليه صدى غنائه عن جدران القاعة المقفرة، وحيث يتوجه إلى قلب السماء أكثر مما إلى قلوب البشر.
    كثيرون استحضروا الغناء والموسيقا لاستجلاب الأمل وإنعاش الحياة في هذا المناخ المهدّد الذي يخيم على كرتنا الأرضية. البعض أنشدوا من على الشرفات، وبعض المغنين بثوا “حفلات” بلا جمهور على “يوتيوب”. لكنّ شيئاً لا يقترب من بوتشيلي المبتهل وحده في الكنيسة مع عازف وحيد، وطريقته في سحر الناس من كل الثقافات، ممن لا يفهمون لغته لكنهم يفهمون ما تقوله موسيقاه المتسامية على الأبجديات المحلية، من النوع الذي يبلغه فقط قلة من المتصوفين. هذه الأبعاد الكونية للإنسانية المحاصرة في زمن “كورونا” تعرض نفسها للتعرُّف، في مناسبة نادرة حقاً.
  • * *
    “الموتى الأحياء”
    كما يلاحظ كاتب، يتعقب العلماء في زمن “كورونا نسخ الفيروسات وجينوماتها، ويذهب الاجتماعيون إلى دراسة تاريخ الأوبئة وتداعياتها. أما الناس العاديون فيذهبون إلى مشاهدة أفلام الخيال العلمي ذات الصلة، ومنها أفلام “الزومبيات”، أو “الموتى الأحياء”.
    يستحضر عشاق السينما أفلاماً سابقة عن الأوبئة، والتي يصف بعضها بتطابق مذهل ما يحدث الآن. ويشيرون بشكل خاص إلى فيلم دراما الإثارة من العام 2011، “العدوى” Contagion. وسوف يقول الذي يشاهد الفيلم: “يا الله! هكذا يحدث لنا الآن بالضبط”. العدوى بدأت في الصين، وانتقلت من خفاش إلى امرأة. والفيروس ينتقل بالرذاد، وبواسطة الأسطح والتلامس، ويتكاثر المصابون بمتوالية هندسية، والسبل الوحيدة لاحتوائه هي الحجر المنزلي وحظر التجول والأقنعة. ولعل الفارق الوحيد هو نسبة الموتى وممارسات النهب والفوضى العارمة.
    كثيراً ما تتخيل الروايات والدراما أوضاعاً بشرية يكون تحققها قريباً من المستحيل في وقت إنتاجها. لكنها تتحقق بعد ذلك بصورة من الصور، سواء تعلق ذلك بالتقنيات أو الأوبئة أو الكوارث. وقد يفكر المرء: ما دام انتشار وباء عالمي يهاجم البشرية ويحجر عليها، والذي كان قبل بضع سنوات خيالاً بعيداً في فيلم، قد تحول الآن إلى واقع وقح، ما الذي يمنع أن يتخلق فيروس يحول الناس إلى “زومبيات”؟
    مجاز “الموتى الأحياء” حاضر دائماً في البشر الذين يأكلون أبناء جنسهم أحياء. لكن “كورونا” يقترح أن المسافة بين الحقيقة والمجاز قد تكون على بُعد فيروس، لا أكثر!