في الخطوات المفصلية والقرارات الجريئة

ضحى عبدالخالق*

لم يحدث قط أي تغيير إيجابي في العالم وللعالم، عبر اتخاذ القرارات على استحياء، أو تقديم أنصاف وأرباع الحلول عند التعامل مع قضايا وإشكاليّات التنمية المهمة! والواقع أن القاسم المشترك بين كل من ترك بصمات تغيير في تاريخ البشرية، وعلى بداهة هذه الحقيقة، هي قدرة أولئك الأشخاص على اتخاذ قرارات جريئة، وفي أوقات مفصليّة أو صعبة! وتلك القرارات وإن كانت في وقتها تصادمية أو مخيفة للبعض، إلا أنّها بحسابات التطوّر وتوق الأجيال للتغيير، بدت كلها استشرافيّة؛ إذ يحصل معها التغيير بلحظة اتخاذ قرار القفز الصعب (Paradigm Shift).اضافة اعلان
للأردن تجربة مع مثل هذه القرارات؛ عندما تم الدفع من قبل القائد، ولأول مرة، بمفهوم وآلية "الكوتا النسائية" في البرلمان. فكان القرار الجريء وقتها وما يزال، والذي أضفى الشرعية على مشاركة المرأة الأردنية، بوضع النقاط على الحروف في قضايا مجتمعية إشكاليّة، وهو ما يحاول معظم السياسيين عندنا تجنّبه! وما يزال القرار مُلهما لنا إلى اليوم، لأنه باختصار خلق فضاء إنسانيا لمستقبل النساء في البلاد، عندما أعطى الأمل لأجيال كاملة من الصبايا، واللواتي أصبحن اليوم قادرات على الطموح وعلى التنافس!
وبالنظر إلى محددات الواقع التي لطالما منعت المشاركة العامّة للنساء، يظلّ قرار "الكوتا النسائية" في الأردن، بمقياس تاريخي وإنساني، تصحيحيّاً، لا بل بذات أهمية حصول المرأة الأردنية على حق التصويت!
والآن، في العام 2015، نجح البرلمان الألماني بخطوة شبيهة؛ بتشريعه لكوتا لمشاركة المرأة في مجالس إدارة الشركات الألمانية، وبنسبة 30 %؛ من بينها شركات عملاقة في التكنولوجيا مثل "سمينز"، والبنوك كالبنك الألماني، وشركات السيارات مثل فولسفاغن ومرسيدس وغيرهما. وقد أُعلن الخبر حول يوم المرأة العالمي، ليس باعتباره نصرا للحركة النسائية الألمانية فحسب، بل من زاوية تفعيل براغماتي جديد للنمو في الاقتصاد الألماني، عندما أدركت الدولة حاجتها للجميع في إدارة الشأن الاقتصادي.
والواقع أن ألمانيا ليست أول من شرع "كوتا نسائية" في مجالس إدارة الشركات؛ إذ كانت الأولى النرويج، ثم إسبانيا وفرنسا وأيسلندا (بنسبة 40 %)، بعكس إنجلترا التي تبنّت مبادارات "نادي الإقناع"، ما رفع نسب مشاركة النساء إلى 23 % من دون الحاجة إلى تشريع، فيما لا يتجاوز تمثيلهن في الولايات المتحدة 17 % من أعضاء مجالس إدارات الشركات، من بينها شركة التكنولوجيا "تويتر" التي قامت، مؤخرا، بتعيين سيّدة في مجلس إدارتها. وقد أثبتت التجربة الأوروبيّة والأميركية أن الواقع على تقدّمه، لم يتمكن من إفراز أعداد أكبر من النساء لمجالس الإدارات، ما استدعى اتخاذ إجراءات تصحيحيّة! ولتعديل مفاهيم الحاكمية العالمية في التجارة.
في الأردن، يوجد أكثر من عامل متوافر لنجاح مثل هذه الخطوة، أهمها وجود صاحبات الاختصاص، وحالات قياديّة، والتدريب الطويل. ونُلاحظ أن بعض مؤسّسات الدولة تفوّقت في تعيين النساء صاحبات الاختصاص مبكرا في بعض مجالس الإدارات، في الوقت الذي انحصر تمثيل المرأة في القطاع الخاص بالشركات العائلية أو الأجنبية.
ويمكن، بداية، إحصاء وضع المرأة الأردنية الراهن في مجالس إدارات الشركات، وتقييم هذا الدور، ثم الدفع ببرامج ظل يقوم بها الرجال؛ بتدريب وتأهيل زميلاتهم نحو مشاركة جديدة، تمهيدا لتشريع "كوتا" وطنية تقوم بإدخال المرأة إلى مجالس إدارات الشركات الكبرى، بعد التوافق على نسب واقعية. ولا بد لتقييم المغزى من تشكيلات مجالس الإدارات الحالية، وهي التجمعات التي تقوم اليوم بصياغة المستقبل الاقتصادي للبلاد؛ كما إعادة النظر في جدوى مشاركة بعض الأفراد والرموز فيها.
وأهلا بالمرأة الأردنية في كل المجالس، وفي نادي اقتصاد المنتجين.

*خبيرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات