في الخلافات تتكشف معادن الكثيرين

ربى الرياحي

عمان- نحتاج جميعا من حين إلى آخر لاختبار حقيقي نقيم من خلاله علاقاتنا بمن حولنا، يمنحنا القدرة على كشف حقيقة مشاعر المحيطين بنا.
أولئك الذين تجمعنا بهم قواسم مشتركة منذ زمن طويل، لكنها رغم ذلك تسمح لنا بالاحتكام لتلك الخلافات المؤقتة غير المفتعلة التي تقودنا في الغالب إلى فتح ملفات قديمة قررنا بالإجماع أن نطويها، ونعتبرها رهينة النسيان، ربما لأننا نخشى الخسارة دائما، ونحاول بالمقابل الإبقاء على ما يمكن إنقاذه من إنسانيتهم فقط.
خلافات كثيرة وربما أيضاً سلسلة من الاستفزازات المؤدية حتما إلى إبراز ما يخفيه الطرف الآخر من سلبيات نخضع لها أحيانا مرغمين.
لا نملك حتى الخيار في إدارتها أو على الأقل فهم الأسباب الحقيقية التي كان لها الدور الأكبر في حدوثها، وخلق حالة من التوتر والاضطرابات، التي من شأنها أن تلقي بأسئلتها الملحة، وترحل قبل أن نشرع في توضيح موقفنا من كل ما يحدث أو حتى ما سيحدث لاحقا.
كل ما نعرفه هو أننا قادرون على أن نزيل الستار عن بعض الأوهام التي أسرنا أنفسنا داخلها فترة طويلة، لم نتجرأ خلالها أن نضع أكثر من احتمال يمكننا من أن نبقى متيقظين لأي اختلال أو سوء فهم قد يباغتنا.
لدينا الفرصة الكاملة لكي نستوعب كل النتائج التي تدفعنا لأن نحسم القرار باستبعاد البعض، والاحتفاظ بالبعض الآخر، كل حسب موقفه منا ومدى صدق نواياه تجاهنا التي ستتضح حتما بمجرد أن تسقط الأقنعة.
ونبدأ بتأمل الملامح التي تنقسم فعليا بين ملامح حاقدة يسكن تفاصيلها الكره والاستبداد والتحامل الذي يلغي أي محاولة لتفسير حقيقة تلك المشاعر السلبية المتجذرة داخل أعماق البعض، وبين ملامح بريئة صادقة تتسم حتما بالحب والاحترام والوقوف إلى جانبنا، بعيدا عن أي شروط أو مصالح قد تعنيهم وحدهم بدون النظر إلى حق الآخر أيضاً في الدفاع عن حياته التي تشمل حتما حرية الاختيار وشرعية الحلم وحماية نفسه من تلك الصدمات المفاجئة التي من الممكن جدا أن تعترضه في منتصف الطريق، وتتسبب في زعزعة ثقته بمن حوله، ومن ثم تبقيه خائفا حذرا.
ترافقه حالة من القلق المبالغ فيه إزاء أي تجربة جديدة سيخوضها، وستسمح له بالتعرف على أشخاص آخرين يختلفون عنه ربما في طريقة تفكيرهم، وانتمائهم لتلك العلاقة التي تحتاج منهم أن يولوها اهتماما حقيقيا من شأنه أن يحرضهم على التمسك أكثر بتلك المعادلة المتوازنة التي تمنحهم فعلا إمكانية البقاء مع قلوب تشبههم، وتعرف كيف تبادلهم الحب والثقة، والقدرة على إنصافهم دائما والتصدي لأي اتهامات جارحة تمس كرامتهم، وتتسبب في إحداث ذلك الشرخ الذي يمنعهم حتى من إيجاد الحكم المخفف لكل المواقف المهينة التي قد يتعرضون لها بين الحين والآخر.
المطلوب منا فقط، هو أن ننظر إلى خلافاتنا مع الآخر على أنها وقفة تأملية مع الذات نحاول من خلالها استخلاص بعض الحقائق المهمة، والتي على ضوئها سنتمكن من إعادة ترتيب تلك الأماكن وفرزها وفقا لطبيعة المشاعر التي يكنونها لنا، وإلى أي درجة يستحقون أن نبادلهم الوفاء بدون أن يساء فهمه أو حتى يستغل بشكل مهين يلغي معه حتما كل القيم الإنسانية التي ننتمي إليها في علاقاتنا، وفي نمط الحياة الذي اخترنا أن نعيش، وأن نتخذ منه ملاذا لنا يعيد إلينا طيبتنا ونقاءنا وشيئا من براءتنا كلما قررنا أن نتغير.

اضافة اعلان

[email protected]