في العطاء (ات) ولعبة الجوع!

تبتدئ لعبة الجوع في الواقع الاقتصادي، بالدعوة إلى عطاء عام، استنادا إلى قوانين وتعليمات العطاءات واللوازم الأردنية التي تُنظم كيفية الدخول في العطاءات الحكومية، بخبرة بيروقراط إداري متمرس. وعند وجود عطاء مهم جدا ومفصلي، يتعلّق بتوريد خدمات حكومية أساسية في قطاعات مهمة، كالتكنولوجيا والهندسة مثلا، فقد يُطرح العطـاء متأخرا أو مبكرا؛ واضحا أو ملتبسا؛ وفي أحيان أخرى محبوكا أو مكتوبا بعجالة.اضافة اعلان
تُنشر العطاءات في الصحيفة اليومية، فيُشارك فيها عدد كبير، وأحيانا غير مفهوم، من عموم المتنافسين، أو من "هبّ ودبّ" من شركات لا شأن لها بموضوع الخدمة والعطاء! كما تُوجد شركات تمارس، وبسرور، التخريب والتأليب وتسفيه الخدمات، وتصفيرالأسعار، في لعبة خسارة للجميع "Lose-Lose"، والتي أصبحت شركات محلية تمارسها ضد بعضها بعضا، للقرب من قلب الحكومة، في سباق توريد الخدمات غير المربح للقطاعات، وغير المفيد للحكومة. وهو السباق الذي أصبح يحتاج إلى وقفة صريحة للمراجعة والتقييم.
في الفيلم الشهير " ألعاب الجوع" (Hunger Games)، تقوم عاصمة مهووسة باختيار عدد من القطاعات، ليقوم أفضل موهوبيها بالقتال. حيث يتم إعداد حلبة القتال ضمن صناعة عامة لمشهد مسل، الغرض منه إدامة التوريد بشروط العاصمة وحدها. وتقوم المقاطعات بإرسال صبي وفتاة للمشاركة، على نحو يصبح فيه القرب من الموت وقتل الآخر للبقاء، طبيعة ثانية! وليصبح التنافس لتحقيق الفوز ممكنا فقط عند إجراء اختيارات صعبة بين قيم بذاتها، وبين غريزة البقاء ضدّ كل هذه القيم؛ فيموت 11 إنسانا من أصل 24 في اليوم الأول فقط، في حمّى من التنافس، في الوقت الذي تُحرّك فيه السلطة (في الفيلم) عوامل الفشل، وتسليط كل ما يمكن لامتحان المتنافسين. من بين ذلك دفع المتسابقين ضد بعضهم بعضا، ليفوز واحد فقط بشروط صعبة وغير إنسانية.
ومن واقع النمو المتزايد في الأردن؛ نحو الإعمار والتوسع باتجاه فرصة سكانية استثنائية، فقد أصبحت الحاجة الآن أكثر من ماسّة للمضي بقانون الشراكة الواقعية بين القطاعين العام والخاص، لا كقانون فحسب، بل كرؤية لمعنى ومفهوم جديد للجودة الأردنية، وللعمل المدفوع بحسّ البناء والإعمار. وهذه هي الديناميكية التي ستصبح مؤشر الازدهار في الداخل. فالدولة هي المتضررة الآن من تأخير المشاريع وتعثرها، في الوقت الذي يُصر فيها الكادر الإداري، بشكل عام، على اختيار الأرخص غير المطابق أحيانا للمواصفات، أو اختيار غير المناسب لأنه الأرخص فقط!
لقد فشل الكثير من المشاريع بعد أن "تشطّرنا" على الشركات المحلية، ثمّ نرضى أن تُدفع ملايين الدنانير لشركات أجنبية من دون أن "نمنّ" عليها. وليتأخّر النمو على الأرض، مع ازدياد المرارات في لعبة التوريد والتذاكي والصيد والجوع. وفي حقيقة أخرى، فقد دفعت الشركات الوطنية ثمن الأداء المتعثر في خبرة وتجربة أخرى غير سعيدة للحكومة مع القطاع الخاص! كما أنّ بعض الشركات بدأ بالانسحاب، من زاوية أنها لا تريد أن تصطاد في لعبة الجوع هذه، أو أن تقع في فكر الإذعان أو الخسارة للجميع. ذلك أن الإنجاز والعطاء أوسع من قانون للّوازم، وأكبر من نظام للتوريد.

*مستثمرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات