في العلاقات.. ما الذي نبحث عنه الحب أم الأمان؟

Untitled-1
Untitled-1

رشا كناكرية

عمان - "الأمان أعلى منزلة من الحب، فلا تقترب أبدا حين تنبهر، اقترب فقط حين تطمئن"، لعل معظمنا في رحلة بحث عن الأمان في كل أشكال العلاقات الإنسانية التي نمر بها، فهي لا تقاس بالحب بقدر ما تقاس بالأمان، هذا الشعور بأن تستأمن أحدهم على نفسك بجميع حالاتك بفرحها وحزنها.. بعيوبها وحسناتها حتى على تلك الأشياء التي تخاف من قولها لنفسك.اضافة اعلان
هذا الأمان الداخلي إذا وجدته فتشبث به، فهو الفارق الحقيقي في جميع علاقاتنا الإنسانية، فإن كثيرا من العلاقات تنتهي بسبب غياب الأمان فيها.
وهذا ما أنهى زواج نهى بالرغم من الحب الكبير الذي كان يجمعها مع زوجها، إلا أن غياب شعور الأمان في علاقتهما قادها لإنهائه.
وتصف نهى حياتها، قائلة "كان دائما يسعى لتغيير تصرفاتي وكلامي وحتى طريقة لباسي، ويفهم كلامي بطريقة أخرى غير معناها"، جميع هذه الأفعال ولدت بداخلها مشاعر الرهبة والخوف من عدم تقبله لشخصيتها واهتماماتها.
وأصبحت نهى تفكر بكل تصرف قبل فعله، خوفا من أن يفهمها بطريقة خاطئة، مبينة أن فقدان الأمان في زواجها أفقدها الكثير من الراحة وأشعرها بحالة من عدم الاستقرار.
وتقول "وجود الحب والمال من دون الأمان والاهتمام لا معنى له.. فهناك أمور تقدم في الحياة من دون مقابل".
وتدرك العشرينية منى أهمية وجود الأمان في أي علاقة تمر بها في حياتها، لذلك لطالما كانت تبحث عنه وقد وجدته في صديقتها حنان، التي تصغي لها بشغف وتقف بجانبها دائما.
وتضيف "عندما أشعر بأنني تائهة أذهب للتحدث معها لتعيد التوازن لأفكاري، كم هو رائع هذا الشعور بأنها تستقبلني بجميع تقلباتي".
شعور الأمان الذي عاشته منى في هذه الصداقة أضفى على حياتها الاستقرار والراحة النفسية، لأن هنالك شخصا يسمعها ويشعر بفرحها وحزنها ويمدها بالطاقة للمضي في حياتها.
اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع، يبين أن الشعور بالأمان هو مطلب أساسي لبناء أي علاقة ونجاحها، والكثير من الأشخاص، وخاصة النساء، يعتبرون أن الحب هو الأمان، فالحب هو "الأمان والاهتمام".
ويوضح جريبيع أن الإنسان بطبيعته يشعر بالخوف، وخاصة من المجهول والمستقبل، لذلك هو دائما يبحث عن الأمان وكثير من الأشخاص يقدمون الأمان حتى على مشاعر الحب، بالرغم من أنه لا ينفصل عن الحب، إذ إن الشخص القادر على إعطاء الحب قادر على إعطاء الأمان والعكس صحيح.
وفي حال فقدان الأمان لن يستمر الحب، ويوضح جريبيع أن الشخص يشعر بالأمان عندما يشعر بالثقة بالطرف الآخر، فهي التي تولد الأمان.
ويتابع جريبيع "إن شخصا يتحمل المسؤولية ولديه الوفاء والصدق قد يكون صعبا إيجاده"، لذلك إذا وجدت شخصا بهذه الصفات عليك أن تتمسك به فهو خير صديق ورفيق في الحياة.
ويؤكد جريبيع أن وجود هذا الشعور في مجتمعنا ينعكس على بناء علاقات اجتماعية صحيحة، إذ تقل مظاهر الكذب والخيانة وتستقر الأسر والمجتمع وتصبح التربية وإنشاء الجيل الجديد قائمين على الأمان، وينتج مجتمع قوي وبعيد عن مشاعر الخوف والكراهية والحقد، إضافة إلى تكوين أسر متماسكة وعلاقات إنسانية وزوجية قائمة على الحب والتفاهم.
للأسف نحن في المجتمعات العربية بعض البيوت هي فقط من حجارة تفتقد في داخلها لمشاعر السكينة والهدوء، وهذا ما يجعلنا نبحث عن الأمان، لذلك على كل شخص منا أن يمتلك التفكير العميق والصحيح لتحديد وتعريف معنى الحب، فهو كلمتان "أمان واهتمام" فالحب من دونهما ليس صادقا، وفق جريبيع.
ويذهب اختصاصي علم النفس الدكتور علي الغزو، إلى أن مفهوم الحب يختلف من شخص لآخر، وأن طبيعة العلاقات بين الأفراد تكون نابعة من المودة والألفة وتقارب بالفكر والمشاعر والثقافات، وهذا ما يشعرهم بالأمان.
ويتابع الغزو، أن شعور الأمان مطلوب وإن تفاوت من شخص لآخر، وما يكشف وجوده المواقف "كلما كانت العلاقات مبنية على الصراحة والصدق يكون الحب فيها أكثر والأمان أكبر"، لكن إذا كان هنالك نوع من المراوغة أو عدم الوضوح في العلاقة أيا كانت نلاحظ فيها وجود شعور الخوف من كلا الطرفين، ويصبح تفكيرهما ماذا سيحصل لنا في مرحلة ما.
ويؤكد الغزو أن شعور الأمان هو أمر ضروري توافره في علاقاتنا الإنسانية، ولكن للأسف الشديد يغفل عنه كثير من الناس، لذلك نلاحظ أن الصدق في العلاقات لم يعد موجودا والثقة أصبحت مفقودة نوعا ما، وعند سؤال شخص ما "هل هنالك أحد تثق به؟" يكون السؤال صعب الإجابة ومحيرا للبعض، وهذا الأمر بسبب فقدانه الأمان نتيجة بعض السلوكات أو التصرفات.
ويبين الغزو أن الأشخاص ينقسمون إلى فريقين؛ الأول يحب ثم يبحث عن الأمان، والثاني لا يقترب من أي علاقة أو يبدأ بها قبل أن يشعر بالأمان، وإذا توفر عنصر الأمان فإن فرصة نجاحها واستمرارها أكبر من الفريق الأول.
ويشير الغزو إلى أن كثيرا من العلاقات تفشل نتيجة اكتشاف أحد الأطراف في مواقف معينة أنه لا يشعر بالأمان وأن هنالك سوء نوايا من بعض الأشخاص تجاه الشخص الآخر، والصحيح أن نبحث عن علاقة تحتوي على الأمان قبل الحب، وهنا تكون واضحة أكثر وسليمة.
وتابع الغزو، أن عدم توفر الأمان له سلبيات في حياتنا، فإذا لم يشعر الابن بالأمان داخل عائلته ولم يجد الحضن الدافئ الذي يحتويه سيتجه للبحث عن الأمان عند أطراف آخرين، ولكنها قد تكون علاقة غير واضحة المعالم، بمعنى قد يذهب من وضع سيئ إلى أسوأ، لذلك على الشخص أن يفكر جيدا قبل الإقدام عليها، فإن نوايا الأشخاص غير معروفة.
ويوضح الغزو أننا عندما نبحث عن الأمان في بيئات مختلفة، من الضروري معرفة الأشخاص وكيفية التعامل معهم، وما مدى الثقة التي من الممكن أن نقدمها لهم ونعيشها معهم حتى لا نقع في أمور تعود علينا بأمر سلبي، فنحن لا نريد أن نعالج مشكلة بمشكلة أخرى.
ويشير الغزو إلى أنه في حال أصبح البحث عن الأمان كهروب من مكان لآخر، واكتشف أنه وقع في خطأ ما، هذا ينعكس بشكل سلبي على نفسيته، وقد يعيش في حالة من الاكتئاب وفقدان الثقة بالآخرين، ومن الممكن أن يلجأ للانطواء ويشعر بحالة نفسية سيئة نتيجة هذه الأخطاء التي مر بها وافتقاده لشعور الأمان في حياته.
ويؤكد الغزو أنه عندما تجد شعور الأمان في شخص ما يصبح "مرجعية"، إذ يساعدك في كثير من الأمور وفي حل المشكلات والتحدث وتبادل الآراء والأفكار والمشورة.
لذلك تحتاج لشخص واع، فكره نير، بحيث ينتقي الأشخاص الذين يشعر بجانبهم بالأمان، فهؤلاء يصبحون "ملاجئ لنا"، وفق الغزو.
ويعرف الغزو الأمان، بأنه شعور بجو من الصدق والإخلاص في التعامل بين الأشخاص، وهو مبني على الصدق بين طرفين وثقة مبنية على تبادل الأمور الإيجابية التي تعود على الإنسان بأمر إيجابي وتشعره بالسعادة والراحة في حياته.
ومن الجانب التربوي، يبين الدكتور عايش نوايسة، أن الإنسان هو ابن بيئته، بمعنى أن الإنسان الذي يتربى في بيئة انعكاساتها إيجابية بكل ما تعني هذه الكلمة، فإنها تنعكس على سلوكه وعلى شخصيته، فإن تربى على المودة والسكينة والمحبة والتعاطف والاحترام والتقدير، من الطبيعي أن يخرج بالصورة نفسها بشخصية متكاملة، وبذلك كما شعر بالأمان سيقدمه لغيره.
وتابع نوايسة "أن العكس صحيح، فإن الإنسان الذي يتربى في بيئة سلبية لا يشعر بها بالأمان داخل عائلته، تكثر لديه المشاكل والخلافات، وكثيرا ما نسمع عن بعض السلوكات الخاطئة نتيجة نقص الأمان، وهذا نوع من الانعكاس".
ويوضح نوايسة أن الأمان هو مفهوم كبير ولا يقتصر على المودة والمحبة، فهو موجود بكل الصور، وتتمثل في العلاقة الودية بين الأب والأم والأبناء وتواصل الوالدين مع الأبناء، والتواصل بين الطلاب والمدرسين وبين المشرف، وهذا نوع من الأمان الذي يجب أن يشعر به الإنسان ليقدر أن يعطيه لغيره، فإن "فاقد الشيء لا يعطيه".
ويشير نوايسة إلى أن الإنسان إن لم يكتشف هذا الشعور ويشعر به ويعيشه ويكون جزءا من شخصيته، لا يمكن مستقبلا أن يقدمه لغيره.
وينوه إلى أن ارتفاع نسب الطلاق والتفكك الأسري والعلاقة غير الودية بين الأزواج، كلها أمور السبب الرئيسي فيها هو افتقاد الأمان، الى جانب الجفاف العاطفي الذي يعد نوعا من نقص الأمان.
ويذكر نوايسة أنه سواء الزوجة أو الزوج لا يهمه القضايا الاجتماعية والشكليات، بل يبحث بشكل كبير جدا عن شعور الاهتمام والمودة والمحبة والسكينة، وهذه كله يقع ضمن نطاق الأمان.
ويضيف نوايسة أن هذا الأمان ينعكس على الأبناء، وفيما بعد في مستقبلهم ينعكس عليهم، وإن مجموعة الأسر هذه تنعكس على المجتمع كله، وبالتالي يشعر بإيجابية في جميع علاقاته الإنسانية الاجتماعية.
ومن جهة أخرى، يوضح نوايسة أن جزءا من مشاكلنا الكبيرة هو فقدان الأمان بأنواعه العاطفي والنفسي والاجتماعي، هذه العناصر الثلاثة مترابطة بشكل كبير جدا، وتنعكس على شخصية الطفل، وبذلك تتشكل شخصيته إذا عاشها بصورة إيجابية وكلها أمان وفي المستقبل يعايشها مع زوجته وأبنائه وأهله.
ويضيف "في قضية العلاقة الأبوية "كما تدين تدان"، كما عاملت أبناءك سيعاملونك في المستقبل، وهذا ما ينعكس على صورة السلوكات الموجودة لديك، فإذا تعاملت بجفاء أو عنف سيعاملك أبناؤك بالطريقة نفسها، وهذه هي التنشئة والتربية".