في الغرف المغلقة

يمر قطاع الصناعات الاستخراجية بتحديات كبيرة، تُضر بأكبر صناعتين فيه، هما الفوسفات والبوتاس. وتهدد معطيات محلية وإقليمية بتراجع هاتين الصناعتين ومساهمتهما في الناتج المحلي الإجمالي.اضافة اعلان
شركتا الفوسفات والبوتاس لا تبدوان بخير، كما تدلل على ذلك نتائجهما المالية المتواضعة. إذ حققت إحداهما خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، أرباحا تقارب 11.9 مليون دينار، مقارنة بمبلغ 133.4 مليون دينار في الفترة ذاتها من العام 2012. كما اكتفت الشركة الثانية بأرباح تبدو قليلة أيضاً مقارنة بتلك التي كانت تحققها في سنوات خلت، إذ بلغت حتى الربع الثالث من العام الحالي حوالي 119 مليون دينار، مقارنة بمبلغ 167 مليون دينار في العام الماضي.
بين أوضاع الشركتين ثمة تشابه؛ من حيث خضوعهما لضغوطات مشتركة تحد من تنافسيتهما.
فشركة البوتاس يديرها الكنديون ويملكون غالبية أسهمها، وهم يملكون أيضا جزءاً من الشركة المنتجة لذات الخام في إسرائيل.
قد يقول قائل: إن وحدة الملكية لا تُضر بل تنفع. لكن ما يحدث هو أن ارتفاع تنافسية المنتج الإسرائيلي نتيجة انخفاض الكلف الناجم عن الطاقة الرخيصة، وهي الغاز الطبيعي، دفع الشركة الكندية إلى تخفيض إنتاج الشركة الأردنية  قبل فترة بنسبة 20 %، لصالح زيادة التصدير من شركتها الأخرى.
واستمرار أزمة الطاقة محليا، يؤشر إلى أن أوضاع الشركة لن تكون أحسن خلال الفترة المقبلة.
ما يُطرح في كواليس الشركة، وكذلك الحكومة التي تعيّن ثلاثة ممثلين لها في مجلس إدارة "البوتاس"، هو استيراد الغاز الإسرائيلي. وتشير المعلومات إلى أن الجانب الإسرائيلي قدّم عرضا مغريا لسعر "البوتاس"، وأقل من ذاك المتفق عليه مع مصر، وأن عدداً من الاجتماعات غير المعلنة خُصصت لهذه الغاية.
على خجل تتحدث الحكومة عن الموضوع الذي نفته الشركة نفسها من قبل. لكن ما يحدث يدور حول استيراد الغاز من إسرائيل من خلال شركة أميركية، تكون مسؤولة عن تصدير الغاز الإسرائيلي لـ"البوتاس" بشكل مباشر.
ما سبق قد يكون الحل، لكن الحكومة تدرك مخاطره الشعبية، ولذلك تفضل الحديث عنه في الغرف المغلقة فقط.
أما شركة الفوسفات التي تملك الحكومة 25 % منها، فحالها ليست أفضل. والسبب أن المنافس الأهم لها موجود في السعودية. وفي هذه الحالة، فإن المنافسة كبيرة، نتيجة انخفاض كلف الإنتاج لدى الأشقاء، وأيضا لذات السبب السابق، والمتعلق بالطاقة وقيمة الوقود الثقيل التي تبلغ في الأردن أضعاف ما هي عليه في السعودية، ما يحدّ من تنافسية "الفوسفات" الأردنية.
العامل الثاني هنا مرتبط بسهولة نقل الفوسفات السعودي، بعد أنْ وفرت الحكومة السعودية وسائل نقل من قبيل سكة جديدة خاصة لنقل الفوسفات، تختصر الزمن، وتجعل السعودية أكثر قدرةً على تلبية الطلب العالمي. 
لا ننسى أن الحراك المطلبي خلال السنوات الماضية كبّد الشركتين الأردنيتين خسائر كبيرة، أدت إلى تخفيض صافي أرباحهما، ما زاد من ثقل التحديات الخارجية؛ إذ يبلغ الحد الأدنى للأجور في واحدة منهما حوالي 1200 دينار. كما تزداد الضغوط مع توقعات بتراجع الطلب على المادتين الاستراتيجيتين، ولاسيما الفوسفات.
لطالما كان البوتاس والفوسفات كنز الأردن ونفطه غير الأسود. وقد بلغت نسبة مساهمة قطاع الصناعات الاستخراجية في النمو المتحقق خلال النصف الأول من العام الحالي قرابة 0.17 % من كامل معدل النمو المتحقق وهو 3 %. وتلك نسبة منخفضة مقارنة بسنوات ماضية. فهل تستمر حالة التراجع، أم نشهد تحسنا غير متوقع في المدى المنظور؟

[email protected]