في "اليوم الدولي للغة الأم"..!

علاء الدين أبو زينة صادف أول من أمس «اليوم الدولي للغة الأم». ولا ينبغي أن تمر هذه المناسبة من دون الانتباه إلى العربية، لغتنا الأم التي تشكل انتماءنا وهويتنا. ولا يتسع مقال قصير ليحيط بعلاقات هذه اللغة وسماتها، لكن ذكرها لا بد أن يستحضر مجموعة من الخواطر والأفكار. قال عنها إرنست رينان، المفكر الفرنسي والباحث في اللغات السامية من القرن التاسع عشر: «إنها لغة مثالية وغنية»، وأشاد بـ»مفرداتها الواسعة، ودقتها ومعانيها والمنطق الجميل في تركيبها». كتب إرنست رينان ، المفكر الفرنسي من القرن التاسع عشر ، أن اللغة العربية هي «لغة مثالية وسلسة وغنية» أشاد «بمفرداتها الواسعة ودقة معانيها والمنطق الجميل لبنيتها». وقال أيضا: «وُلدت اللغة العربية فجأة في حالة من الكلية والكمال. ليست لها طفولة ولا شيخوخة، وهذا فريد جداً في تاريخ البشرية». وقال عنها المستشرق الألماني جوج فريتاخ: «العربية هي الأكثر بلاغة على الإطلاق». وقال عنها وليام وورك: «العربية لغة بالغة المرونة، تتكيف بسهولة مع التغييرات المعاصرة». * * * تذكر اللغة بالقومية. وليس الارتباط بين اللغة والقومية مشروطاً بأحوال الأمة –ولو أن البعض يرونه كذلك. ثمة الذين يحاولون –عبثاً- الانشقاق عن العروبة وادعاء سواها في هذا العصر الذي يُعتقد فيه بهوان الأمة وتبعيتها. وأحد تعبيرات هذا الانشقاق معاداة العربية، ووصفها بالتخلف، وإنكار كونها سمة جامعة للعرب وعلامة على قرابتهم الحضارية –بل يزعم البعض أن العربية «لغات» وليس لغة واحدة، على أساس أن اللهجات المحلية في العالم العربي لغات لأمم لا يجمعها جامع. وليس أضل من هذا الرأي في مبتدئه وخبره. أولًا، ليس ثمة وسيلة لخروج المرء من جلده. سوف يسمونك في الغرب، مثلاً، أميركي-عربي حتى لو كنت عضوا في الكنيست، وسوف يكون خطابك حين يصدر عنك أنت، بالإنجليزية، خطاب غريب. هذا هو حال إلهان عمر ورشيدة طليب. ثم أن أعظم مصادر الفخر الانتماء إلى أمة كبيرة لها تاريخ ولسان/ أم واحد. * * * قرأتُ مرة تصريحاً لشاعرة هنغارية مهمة، اسمها أغنيس نيميس ناغي. كانت تشكو بمرارة من أن جمهور شعرها صغير –مجرد المتحدثين بالهنغارية. وبالطبع، كان المخرج الممكن هو ترجمة أعمالها إلى لغات الجماهير الكبيرة، بما تنطوي عليه ترجمة الشعر من مثالب. في المقابل، سوف يستمع للمتحدث بالعربية مئات الملايين من المتذوقين والمشتركين في تعريف المفاهيم والإحالات والبلاغة. وغير ذلك أيضا، ثمة مساحة شاسعة من الأرض يسافر فيها العربي ويتفاهم مع سكانها كما لو أنه انتقل إلى مدينة أخرى في بلده نفسه. ليس صحيحا أن المغاربة العرب يتحدثون لغة أخرى. بالتأكيد لا يحتاج المذيع التلفزيوني أو مقدم البرامج المغربي إلى أن يدرس «لغة أخرى/ثانية» حتى يعمل في أي محطة عربية. إننا ندرس، من المحيط إلى الخليج، العربية الفصحى من صفوف الحضانة إلى آخر التعليم، باعتبارها لغتنا، وحدها فقط. وأي شيء آخر هو لغة ثانية. * * * في أماكن أخرى من العالم، لم تصمد اللغات المحلية أمام هجمة الاستعمار. في أميركا اللاتينية، مثلاً، استسلمت اللغات المحلية للإسبانية والبرتغالية. وفي أفريقيا يتحدث المستعمرون القدامى بالفرنسية أو الإنجليزية أو ما شابه. ويشتكي هؤلاء المواطنون من هذه التبعية اللغوية التي لا فكاك منها للغة المركز، والاضطرار إلى إنتاج الأفكار بلغة المركز التي تُذكرك دائمًا بأنها غير أصلية. لحسن حظنا، نجت لغتنا من الاستعمارات التركية والغربية وما قبلها، وبسهول كبيرة نسبيًا. وبذلك لم ينقطع السياق السياق التعبيري للشخصية العربية. وفي لحظات من التاريخ، كانت العربية لغة الإنتاج العلمي والفلسفي والمعرفي المركزية في العالم، بعد انسحاب الإغريقية. وكما هي أحوال التاريخ، تسود الآن لغة الثقافة السائدة، لأن أدوات القوة والثروة تحدد إمكانية الاستكشاف والابتكار وتسميه الأشياء. لذلك ليس مرد السخط على العربية أنها معقدة و»مقدسة» –وجامدة. المشكلة أن أصحاب اللغة ليسوا منتجي معرفة بسبب غياب الهيمنة الجيوسياسية ودنو المكانة العالمية. ولذلك، ليس الطريق إلى الخروج من المأزق التحدث بالفرنسية والإنجليزية لكي يبدو المرء «راقيا» ومطلعا وملتحقا بالمعسكر المنتصر. الطريق هو امتلاك الأدوات للمنافسة المادية من موقع النظير في العالم. ومن المفارقات أن أفضل السبل، وربما السبيل الوحيد، هو الكف عن التجوال العبثي بين الحضارات، وإدراك أن الحل هو استعادة الهوية العربية، كأساس للهوية والتفكير العملي الجمعي –كمصلحة دنيوية بحتة أيضا. المقال السابق للكاتب اضافة اعلان

اقتران مع الوحشية..؟!