في انتظار استراتيجية محاربة التطرف

من المتوقع أن تعلن الحكومة قبل نهاية العام عن الاستراتيجية الوطنية لمحاربة التطرف. وهي وثيقة ننتظرها جميعا، لنتعرف على الإجراءات التي تنوي الحكومة اتخاذها للحد من التطرف والعنف المرتبط به؛ ولنتعرف على السياسات التي ستنتهجها الحكومة في هذا الصدد. اضافة اعلان
مسودة هذه الاستراتيجية ما تزال قيد التحضير، والعاملون عليها ما يزالون في مرحلة جمع المعلومات من الأطراف كافة ذات العلاقة، لتحليلها ووضعها في إطار عملي قابل للتطبيق وبعيد عن التنظير. وهو عمل ليس بالسهل على الإطلاق في ظل وجود وجهات نظر كثيرة ومتعددة ومختلفة، وكذلك وجود أطراف عديدة يتم التشاور معها، إضافة إلى ارتباط الموضوع أصلا بالعديد من الملفات والمجالات ضمن مصفوفة معقدة ومتشابكة تجعل العمل أكثر صعوبة.
ربما تكمن الصعوبة الأكبر في محاولة تعريف التطرف. وإذا كان التعريف قد يبدو سهلا ومتفقا عليه للوهلة الأولى، فإن أي جلسة نقاشية بسيطة ستؤكد عكس ذلك تماما. فتعريف فكر ما بأنه فكر متطرف، يستدعي بالضرورة وجود نقطة مرجعية يقاس بناء عليها تطرف هذا الفكر؛ أي وجود نقطة يمكن اعتبارها نقطة وسطية أو معتدلة، وهذا بحد ذاته شبه مستحيل.
وإذا تجاوزنا موضوع التعريف، فإننا سنواجه مطباً آخر يتمثل في تحديد التطرف المطلوب محاربته؛ فهل نريد أن نبني استراتيجية لمحاربة الفكر المتطرف أم لمحاربة العنف الناتج عن الفكر المتطرف؟ والفرق هنا كبير جدا، لأن الفكر المتطرف بحد ذاته هو شأن خاص بصاحبه طالما لم يتحول إلى سلوك عنيف موجه ضد الآخر، ومع ذلك فليس هناك ضمانات بأن لا يتحول الفكر المتطرف إلى سلوك عنيف إذا لم يتم التعامل معه منذ البداية.
النقطة الشائكة الثالثة التي يمكن أن تواجه معدّي الاستراتيجية، تتمثل بنوع التطرف المنوي محاربته؛ فهل ستركز الاستراتيجية على التطرف الديني المرتبط بالتيارات الراديكالية الإسلامية حصرا، أم أنها ستكون شمولية وتتعامل مع أنواع أخرى من التطرف، كالتطرف القومي أو "الجندري" على سبيل المثال؟
ويبقى التساؤل المشروع عن مستقبل الاستراتيجية مطروحا. فهناك دائما تخوف من أن تلقى أي استراتيجية يتم بذل الجهد والوقت والمال من أجل إعدادها، مصير سابقاتها؛ فتجد لنفسها مكانا بجانبها على الرف، وهو الأمر الذي لا نتمنى حدوثه مع الاستراتيجية الجديدة.
في المحصلة، ما نريده هو أن تكون استراتيجية محاربة التطرف وثيقة واقعية؛ تحلل المشكلة وتقدم الحلول مصحوبة بآليات قابلة للتطبيق، ومدد زمنية وأدوار واضحة، وصولا إلى نتائج قابلة للقياس، وأن لا يتم إهمال دور أي جهة يمكنها أن تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تحقيق هذه النتائج.