في انتظار المعارك

بانطلاق أعمال الدورة العادية الأولى لمجلس النواب أمس، تكون مرحلة سياسية جديدة قد بدأت أمام الأردنيين، وسط مشهد محلي وشعبي مرهق ومثقل بالأعباء المعيشية والاقتصادية، زادت وطأته قرارات وسياسات اقتصادية قاسية لإصلاح اختلالات وتشوهات الموازنة العامة للدولة، والتي جلبتها على مدى سنوات وعقود، سياسات اقتصادية وإدارية حكومية فاشلة وفاسدة، ليأتي واجب تحمل نتائجها اليوم على رأس المواطن!اضافة اعلان
توقعات المراقبين اليوم تشير إلى نذر مواجهات ومعارك "عض أصابع" بين النواب والحكومة خلال الدورة البرلمانية الحالية، في وقت تسعى فيه الحكومة، بحسب بعض التسريبات، إلى استكمال برنامجها "الإصلاحي" الاقتصادي ببعض القرارات "غير الشعبية"، قبل أن يأزف موعد الرحيل.
لن يكون المواطن الأردني معنيا بمعارك النواب والحكومة، ولا بصراعات مراكز قوى و"مزاحمات الرؤوس" تحت القبة، إلا بالقدر الذي يخدم في المحصلة مصالح هذا المواطن، ويخفف من أعبائه وهمومه.
نعم، لا أعتقد أن مواطنا واحدا يمكن أن يؤيد أو يفضل أن تسود علاقة "سمن وعسل" بين الحكومة و"النواب"، أو أن تحتوي الأولى الثاني؛ فذلك هو مدخل التغول في السلطة، والضرب بمصالح الناس عرض الحائط. بل إن المطلوب هو دور فاعل وحقيقي وشرس لمجلس النواب في مواجهة السلطة التنفيذية، لترشيد القرار الحكومي، ومساءلة ومحاسبة الحكومة، وإسقاطها إن لزم الأمر.
هذا الدور مطلوب وبشدة من مجلس النواب، لكن على أن يصبّ في البحث عن المصالح العامة، لا الخاصة لهذا النائب أو ذاك، أو لهذا النافذ في معركة الصراع على تدوير الكراسي، أو بما يخدم مصالح ضيقة لهذه الكتلة النيابية أو تلك.
في البال، موقف "النواب" الإيجابي من تعديلات قانون الضمان الاجتماعي، عندما مارس المجلس دوره الحقيقي في ترشيد القرار الحكومي، بالإصرار على ضرورة مراعاة مصلحة المشتركين في مؤسسة الضمان في قصة التقاعد المبكر، مقابل تمرير المجلس، وبمسؤولية أيضا، رفع نسب الاشتراك في "الضمان". هذا فيما تصر الحكومة في قانونها على رفع أعباء المشتركين وتحسين موارد المؤسسة لمعالجة أزمتها، من دون النظر إلى مصالح المشتركين، والأبعاد الاجتماعية للقانون.
أمام الحكومة والنواب، في المرحلة المقبلة، أكثر من استحقاق اقتصادي وسياسي. وثمة مشاريع قوانين مهمة وحيوية للمواطن، كقانوني "الضمان" و"ضريبة الدخل"، وقرارات رفع أسعار الخبز وربما المياه، وغيرهما. وهذه الاستحقاقات والمحطات تعد محكا رئيسا للنواب في المرحلة المقبلة، سيكون كل المواطنين معنيين بنتائجها وانعكاساتها على مصالحهم وأوضاعهم وظروفهم.
المطلوب من النواب دور فاعل وحقيقي لترشيد القرار الحكومي، والحرص على أن تقدم الحكومة دفعة سياسات وقرارات اقتصادية تعزز الأمن الاجتماعي للناس، وتعيد ترميم قدراتهم المعيشية والاقتصادية التي تدهورت عميقا جراء حزمة "الإصلاحات" الاقتصادية وموجات رفع الأسعار التي لم تترك شيئا إلا وطالته. فإذ نقدر صعوبة الأوضاع الاقتصادية واختلالات الموازنة العامة، لكن الحكومة والبرلمان قادران، أو هما بالأحرى مضطران، إلى وضع برنامج اقتصادي اجتماعي يعيد ترميم الهياكل الاجتماعية والاقتصادية لمختلف الشرائح والطبقات الأردنية التي ما تزال تترنح تحت وقع الضربات السابقة!
قانونا "الضريبة" و"الضمان" هما أول امتحان للنواب في معركة ترميم الأوضاع المعيشية والاجتماعية للناس، فهل ينجحون في هذه المهمة؟!