في تسوية الخلافات لا يوجد منتصر ومهزوم

"وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ" (البقرة، الآية 251).
لا تدار الخلافات على أنها صراع وجودي يجب أن يلغي أحد الطرفين الآخر، ولكنها تسويات تحدد نقاط الاختلاف ويجري التفاهم حولها. وفي اللحظة التي تسيطر فيها على أحد الأطراف هواجس إخضاع الآخرين وإذعانهم، فإن الخلاف يتحول إلى صراع مدمر، يفوق في حجمه ونتائجه موضوع الخلاف الأصلي. وهذه أزمة الإصلاح؛ بما هو التدافع والجدل بين مكونات المجتمع والدولة، باتجاه تحسين الحياة وإدارة الموارد وتنظيمها.. إنه ببساطة ليس معركة تحرير ولا غزوة بدر، ولكنه بملله وقسوته يمنح الطبقات والفئات مكاسب متراكمة وتسويات معقولة، يديرون على أساسها مصالحهم وأعمالهم!اضافة اعلان
عندما نطرح قضية التعليم والمعلمين على سبيل المثال، تبدو مسألة الإصلاح غير واضحة، أو غير مجمع عليها؛ فيتوه المسار، وتتعدد الطرق والجماعات والأفكار، بلا هدف واحد واضح، ويتصارع الإصلاحيون، ويضيعون جهدهم وطاقتهم، لأننا، وببساطة، لم نقدر على النظر إلى الإصلاح باعتباره هدفاً واضحاً نعرفه، أو نحلم به، ونسير باتجاهه.
كيف يدير الإصلاحيون عملهم ومشروعهم بما هو تسوية بين الأطراف المختلفة والمتشاركة؟ وكيف يديرون الإصلاح باعتباره سلسلة من المكاسب والتسويات والتفاهمات المعقدة والمتراكمة، وليس بطولة تحرير ومقاومة، ولا ضربة قاضية لطرف ما، ولا إذعان أحد للآخر؟
يجب أن تدرك الحكومات والنخب، وتطمئن بوضوح ودقة، أن الإصلاح يعني مكاسب مشتركة وعملا لأهداف مشتركة بنسبة كبيرة، وليس متعلقا بهيبة الدولة ولا الفوضى، ولا هو أيضا حلا سحريا أو مفاجئا سيجعل حياة المطالبين والمحرومين بين عشية وضحاها فردوسا جميلا. وحتى الازدهار والتنمية إن كانا موضوعا للخلاف والتدافع بين المجتمعات والحكومات والأسواق، فإنهما ليسا قرارا ولا مطلبا محددا يهتف الناس لأجله، أو تقدمه الحكومة بوعد أو قرار!
وبغير هذا الفهم، سيظل الجدل والخلاف والتعاون والتنسيق يعمل ضد الإصلاح والإصلاحيين، وتأتي نتائجه لصالح خصومهم. ولا يمكن تحسين مسار الخلاف والجدل وشروطهما، أو تحويلهما إلى خدمة الإصلاح، إلا بهذه المعرفة؛ ولن تكون النتائج غالباً حاسمة، لكنها متفقة مع القدرة على التأثير والتفاهم، وحقائق القوة والضعف، وحدود الموارد والجدل حول تنظيمها وإدارتها!
إن أسوأ ما يقع فيه الإصلاحيون هو إساءة تقديرهم قوتهم وضعفهم؛ أن يعتقدوا أنهم أقوياء وهم ضعفاء، أو العكس، ففي ذلك، ينفصلون عن الواقع، ولا يؤثرون في شيء. وسوف يكون الخصم مسروراً بالتأكيد، كلما بالغ الإصلاحيون بالاستعراض الأجوف والادعاء غير المغطى بالحقائق والفرص.