في ثوب سائح

لسنوات طويلة والأردن يسعى إلى تطوير أحد أهم موارده التي طالما تغنّينا بخصوصيتها وتفرّدنا بامتلاك طبيعة وتاريخ ومناخ ومكانة روحية لا يضاهيها فيها مكان آخر. فلدينا مدينة الأنباط الساحرة ووادي القمر الذي تشعرك رماله وجباله بأنك تتجول على سطح المريخ، إضافة إلى المغطس ونيبو ومكاور وكل المقامات التي حل عليها الصحابة والأنبياء والأولياء والقادة العسكريون كأبي عبيدة وسعد بن أبي وقاص وعمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي وخالد وجعفر وابن رواحة وزيد بن حارثة والباقر وغيرهم من الرجال الذين كتبوا أسماءهم على جدار الزمن.اضافة اعلان
لقد كنت وما أزال من بين أكثر أصدقائي اعتزازا وزهوا وتعلقا ببلادي وتقديرا للمكان وروحه  وجاذبيته، فقد تجولت في جنباته وزرت زواياه عشرات المرات لأتعلم وأتأمل وأستمتع، وفي كثير من الأحيان أحرص على أن أمضي ليلة أو أكثر في بعض القرى والخرائب التي قلما تثير اهتمام الآخرين أو يعون سحرها. في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي أمضيت أشهرا وأنا أتنقل بين الرويشد ومكاور ورم وجلول، وأسعدني أن اختبر نقاء الهواء وهدوء الليل وانبلاج أنوار الفجر في الفضاءات التي لا حدود ظاهرة لها، وقد أكسبتني كل ليلة جرعة من الحب الأبدي للفيافي وأهلها.
بالأمس تلقيت دعوة لأكون ضيفا في برنامج جواز سفر السياحي الذي تنتجه مؤسسة الأمل للإنتاج، وأسعدني ذلك بعد أن عرفت بأن الحلقة ستصور في وادي رم وبصحبة ثلة من الإعلاميين والفنانين والنجوم ممن يحظون بمحبة وتقدير الجمهور على أن نستقل أحد باصات شركة جت السياحية وننطلق من الدوار السابع عند الواحدة ظهرا.
ومن غير تأخير كان الجميع قد توافدوا للمكان لننطلق جنوبا عبر الخط الصحراوي باتجاه وادي القمر وكلنا شوق وإثارة وحماس.
كانت الرحلة سلسة، فقد عمل فريق البرنامج التلفزيوني على إجراء بعض المقابلات القصيرة مع المطربين والصحفيين والمخرجين الذين شاركوا لأخذ انطباعاتهم عن الرحلة قبل الوصول.
وما إن تجاوزنا تقاطع الصحراوي مع المطار حتى بدأنا نلاحظ تكرار إيقاف الباص الذي يقلنا مرة تلو الأخرى، في كل مرة  يصعد الشرطي ويبدأ بجمع الهويات، ويحاول رفاق الرحلة إعلامه بأن الفريق إعلاميون وفنانون دون أدنى اكتراث. البطاقات التي يجمعها صاحبنا توحي بأن أصحابها في طريقهم إلى منشأة نووية وليسوا ركاب حافلة سياحية تحمل بيانا بحمولتها.
الإجراءات التي تتخذها الشرطة ضرورية وحضورهم يشعر المواطن ومستخدم الطريق بالأمان، لكن اللافت تكرار عملية الإيقاف التي وصلت إلى ست مرات على الطريق الواصل من المطار وحتى الدخول إلى المخيم. إضافة إلى بطء الحركة والمعنى من النظر في البطاقة.
تخيلت لبعض الوقت أنني سائح أوروبي أو صيني وتخيلت نوعية الانطباعات التي سأكوّنها عن  المكان والقصص التي سأرويها عن البلاد والعقبات والعوائق المبررة وغير المبررة.
بعد الرحلة المضنية خفف جمال وسحر المكان من وقع إحباطات الطريق والإجراءات المبالغ فيها، لكنني آثرت أن أنقل لكل المعنيين في تطوير السياحة بعض صور العوائق والعقبات التي تعترض طريق السائح عبر الخط الصحراوي.
السياحة في الأردن تحتاج إلى أكثر من استراتيجيات مكاتب مدراء، سياحتنا تحتاج إلى بيئة صديقة للسائح ومرافق نظيفة وصحية ومراجعة عميقة لممارسات استقرت دون قياس لمدى تأثيرها.