في جدل الإعدام

رغم التحضير المسبق للرأي العام الأردني منذ نحو شهرين، بعد تصريحات وزير الداخلية حسين المجالي بأن الجهات المختصة تدرس العودة إلى تنفيذ أحكام الإعدام، إلا أن خبر تنفيذ الاعدام فجر أمس بأحد عشر محكوما بجرائم قتل، بعد تجميد تنفيذ العقوبة في المملكة منذ العام 2006، جاء مفاجئا، وأثار جدلا واسعا في الشارع الأردني، وفي وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. اضافة اعلان
يبدو الجدل والانقسام في الشارع، أو بالأحرى بين النخب السياسية والاجتماعية والمثقفة، حول قضية الإبقاء على عقوبة الإعدام أو إلغائها، أمرا مفهوما ومتوقعا اليوم، فيما لم نكن نتوقع مثل هذا الانقسام في الآراء بين المؤيدين والمعارضين للإعدام قبل عقدين أو ثلاثة عقود مثلا، إذ كان تأييد عقوبة الإعدام أمرا شبه مفروغ منه لدى الغالبية العظمى من الرأي العام ونخبه، إلا أن ما حققته حركة الدفاع عن حقوق الإنسان عالميا، ومحليا أيضا، خلال العقدين الماضيين، كان ضخما ومهما، وأثر في خلق رأي عام عالمي واسع، وتحديدا بين نخبه، ضد عقوبة الإعدام.
إلا أن هذا التأييد النخبوي الواسع لإلغاء عقوبة الإعدام، وفي الحالة الأردنية تجميد التنفيذ، لم يلغ وجود تأييد شعبي واسع لبقاء هذه العقوبة، سواء لأسباب ومبررات دينية أو قانونية أو اجتماعية. كما أن آراء قانونية وسياسية واجتماعية وازنة أيضا، عارضت، أو تراجعت بعد التجربة عن تأييد وقف عقوبة الإعدام، على اعتبار أن ذلك يؤدي إلى تراجع الردع عن ارتكاب الجرائم، تحديدا القتل والاغتصاب، وإسهام ذلك في زيادة معدلات الجريمة. فضلا عن أن إلغاء عقوبة الإعدام، و عدم تنفيذها، فيهما مس بحق المجتمع والضحايا وعائلاتهم.
مؤيدو وقف عقوبة الإعدام وإلغائها، يحاججون بأن تنفيذ هذه العقوبة لم يؤد إلى إنهاء جرائم القتل والاغتصاب، ولم يؤثر في تحقيق مبدأ الردع. كما أنهم ينطلقون من أن الإعدام فعل قاس ولا إنساني، ويعكس الرغبة في الانتقام، وأن عقوبة السجن للجاني تؤدي الغرض القانوني والاجتماعي. ويحاججون أيضا بأن الاتجاه العالمي، القانوني والحقوقي، اليوم يذهب باتجاه إلغاء هذه العقوبة، وهو ما باتت تطبقه دول كثيرة، فيما الأردن لا يستطيع معاندة هذا التيار العالمي.
محليا، حاجج مؤيدو العودة إلى تنفيذ عقوبة الإعدام، تحديدا من بين المسؤولين، بأن معدل الجريمة في ارتفاع مطرد منذ تجميد الإعدام العام 2006، فضلا عن أن في إعادة هذه العقوبة تعزيز لهيبة الدولة والقانون التي استبيحت في السنوات القليلة الماضية، رغم أن هذه الاستباحة لا علاقة لها بقصة الإعدام، بل نتجت عن تهرب الحكومات والمسؤولين من مسؤولياتهم، لحسابات اجتماعية أو سياسية أو شعبوية!
شخصيا، أؤيد عقوبة الإعدام، مع حصرها في جرائم القتل العمد والاغتصاب. وذلك رغم قناعتي بأن الإعدام لا يوفر الردع، أو يحد من انتشار مثل هذه الجرائم. فأسباب انتشار الجريمة عديدة، ليس عامل العقوبة ومدى شدتها إلا واحدا من هذه الأسباب.
إلا أن عقوبة الإعدام، رغم قساوتها إنسانيا بلا شك، فيها قصاص، وحق للضحية المغدورة التي قُتلت بلا وجه حق، في رقبة الدولة والقانون والمجتمع. كما أن في تنفيذ الإعدام، في المجتمع الأردني والعربي، فائدة أخرى، تتمثل في الحد من جرائم الثأر، وما تولده من عنف مجتمعي وعشائري.