في خيمة الشيخ جراح

في خيمة الشيخ جراح
في خيمة الشيخ جراح

 معاريف - شلوم يروشلمي

كل الصراع اليهودي – الإسلامي، والإسرائيلي – الفلسطيني صب يوم الاثنين مساء في خيمة نصبت في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. لقد جاء الشيخ عكرمة صبري رئيس المجلس الاسلامي الأعلى والمطران عطاالله حنا رئيس الكنيسة اليونانية الارثوذوكسية إلى المدينة وجلسا هناك مع العائلات التي رحلت من منازلها المجاورة في الحي او التي يخيم فوق رأسها خطر الأوامر بالترحيل. وأجرى هذان القائدان نقاشا دينيا معمقا وهاجما محاولات الحكومة تهويد الحرم وشرقي المدينة، ولكنهما سمعا ايضا ادعاءات حول وضع السلطة الفلسطينية. وقالت فوزية الكرد "على الجميع ان يتحدوا، السلطة وفتح وحماس، والا فلن نصل إلى شيء".

اضافة اعلان

تقطن الكرد مع ابناء عائلتها في خيمة مجاورة أصغر بكثير وفوقها لافتة كبيرة كتب عليها "فليتوقف التطهير العرقي" بجانب صورة السجناء الفلسطينيين، من مواطني القدس. وكانت فوزية الكرد رحلت من منزلها المجاور الذي قطنت فيه منذ عام 1956 قبل نصف عام. وقررت المحاكم أن المبنى القائم فوق مغارة شمعون الصديق يعود إلى لجنة الطائفة السفاردية. وفي منزل الكرد تقطن اليوم عائلة بورشتاين. وهناك عائلتان عربيتان أخريان هما عائلتا حنون والشاوي تنتظران بقلق قدوم عناصر الشرطة الذين قد يأتون في أي يوم لترحيلهم من هناك. ويقول ماهر حنون رب الاسرة انه قد نسي النوم.

الكرد وحنون يستقبلان بالترحيب الشخصيات الجماهيرية ونشطاء حركات اليسار الذين يعيشون في منزلهم وفي الخيام من اجل المساعدة في كفاحهما المتوقع ضد الإخلاء ولكنهما يعرفان ان داعمهما الحقيقي هو باراك اوباما رئيس الولايات المتحدة.

لقد خرج الخلاف حول هذا المبنى من حدود الشيخ جراح. وكانت هيلاري كلينتون التي عبرت عن الاحتجاج على هدم المنازل في شرقي المدنية ارسلت ممثل القنصلية الاميركية الى الخيمة خلال زيارة المبعوث جورج ميتشل الى البلاد. وستطرح المسالة بالتأكيد خلال زيارة بنيامين نتنياهو القريبة لواشنطن في التاسع عشر من ايار (مايو). ويقول الاب عطاالله حنا إن "هذه ليست مسالة وطنية فقط. هذا تعبير عن عدم العدالة الانسانية".

في المقابل فإن الرد الاسرائيلي في الوقت الحاضر يعبر عن قلق بسيط فقط. وتقول مصادر في ديوان رئيس الوزراء ان المنازل في شرقي المدينة تثقل على النقاش السياسي الا انها ليست في مكانة مرتفعة في سلم اولويات الاميركيين. ويضيف رئيس بلدية القدس نير بركات بانه قد اوضح للاميركيين بان هدم المنازل واخلاءها سيتواصل كلما قرر القانون ذلك.

كلام في كلام

الامر الصحيح هو ان دائرة رئيس الوزراء ومكاتب وزراء مهمين آخرين قد سلمت منذ زمن بالخطاب الجديد للإدارة الاميركية. ويعيش رئيس الوزراء نتنياهو منذ كارثة ابراج التوائم مع افتراض بان اليهود هم الاخيار والمسلمين هم الاشرار. وهو على قناعة بان الجمهور الاميركي لا يميز في نظرته للعالم الاسلامي وأن اسرائيل ستخرج دائما رابحة من ذلك. لكن الامر مختلف الان، فاسرائيل التي اعتادت على عداء الرئيس السابق جورج بوش الايديولوجي والديني للعرب، تحصل الآن على رئيس يتقرب من السعودية ويتوجه للتفاوض الدبلوماسي مع ايران ويستقبل قادة الدول العربية قبل غيرهم. ولا يمكن إخفاء الارباك ان لم نقل خيبة الامل.

وتأمل اسرائيل ان لا يغير هذا السلوك التحالف الاستراتيجي القوي بين الدول وان يصب الواقع الذي تفرضه ايران في مصلحة اسرائيل في اخر المطاف. ويحلل سياسي بارز مقرب من نتنياهو الوضع بقوله إن: "اوباما يريد اظهار قربه من المسلمين وهو يسعى للبرهنة بان اسرائيل لا تحظى بالافضلية. وهو لا يريد ان يروه وهو يعانقنا. هو لا يريد ان يظهر وكأنه في جيب اسرائيل. بنيامين نتنياهو لن يخرجه من محاضرة في فيلادلفيا في منتصف الحرب كما فعل اولمرت مع بوش حتى يغير تصويت الولايات المتحدة في مجلس الامن".

ويضيف المقرب من نتنياهو بالقول إن "هذه مجرد كلمات في اخر المطاف. من حيث الجوهر يهتم الرئيس بأمن اسرائيل والعلاقة القوية بين الدولتين. وبإمكان اسرائيل ان تستخدم الواقع على الارض واخفاق المفاوضات حتى اليوم والبرهنة على انه ليس من الممكن التقدم في ظل وضع الانشقاق القائم في السلطة الفلسطينية. إن توجه نتنياهو هو السير وفق مسار اقليمي ومفاوضات اكثر شمولية وايجاد صيغة تجسر الهوة بين الاطراف في قضية الدولة الفلسطينية. وهذا سيكون ملائما لاوباما الذي يرغب بالحفاظ على علاقة جيدة مع المسلمين".

يوم الثلاثاء وجه أوباما رسالتين. الادارة تفعل كل ما تستطيع من اجل تأييد الخطة السعودية. كما ان الادارة لن توافق على وضع التسويف او كما قال اوباما بلغته الحازمة "ليس من الممكن التفاوض الى مالا نهاية".

تبدو هذه الكلمات وكأنها دعوة للمجابهة، فنتنياهو يكره الخطة السعودية التي تعني العودة الى خطوط حزيران 67. ويتحدث المسؤولون في ديوانه بقلق عن سندروم ستوكهولم الذي يميز المخطوفين الذين يتماهون مع خاطفيهم. ويتساءلون: "نحن في ظل الحصار وفجأة نتماهى مع حصار خصومنا؟"

ويعارض نتنياهو بشدة خريطة الطريق ايضا، ويتحفظ على كل ما يتعلق بفكرة الدولتين لشعبين. وكانت الدولة الفلسطينية وما زالت في نظره خطرا استراتيجيا وديموغرافيا كبيرا. ويقول اتباعه إن "هذه خطة مليئة بالأخطاء. وكل شيء بني على عجل وتحت الضغوط الفلسطينية". إن نتنياهو يعرف جيدا ماذا يعني الضغط الاميركي المكثف. وهو يذكر ذلك من ولايته السابقة. ويقول مقربون منه ان الوضع مختلف الآن.

تحالفات عمل جديدة

اذن ما الذي سيحدث؟ يوم الاربعاء جاء الى اسرائيل عمر سليمان وزير المخابرات المصري، والتقى مع نتنياهو وباراك والرئيس شمعون بيريز وحتى مع وزير الخارجية افيغدور ليبرمان. وإذا اعتمدنا على تقييمات الوضع في ديوان رئيس الوزراء فان نتنياهو يعتبر الزيارة بحد ذاتها وفي هذه الفترة تحديدا تعبيرا عن تغييرات تاريخية "مذهلة" يتوجب على اسرائيل ان تستغلها فورا في المجال السياسي.

في سنوات الخمسينيات والستينيات شعرت اسرائيل بالحصار وبحثت عن حلفاء جدد خارج دائرة العداء المحيطة بها وتوجهت الى اثيوبيا وايران وتركيا. وفي السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات نجحت اسرائيل باختراق الجدار السني من خلال السلام مع مصر والأردن والمغرب وتونس ودول الخليج.

واليوم توشك ايران الشيعية على التحول الى دولة نووية عظمى وفي مواجهتها معسكر سني ضخم تعتبر اسرائيل جزءا لا يتجزأ منه. وتجيء زيارة سليمان واللقاء الودي مع ليبرمان الذي وعد ذات مرة بقصف سد اسوان كتعبير استثنائي عن الواقع الذي تطرح فيه الترسبات جانبا من اجل المصلحة المشتركة.

كما ان الاشتقاق السياسي من ذلك يبدو واضحا. في الأيام التي يتحدث فيها الجميع عن ايران، توضع المسالة الفلسطينية جانبا. ويعتقد رئيس الوزراء ان التركيبة الثنائية بين اسرائيل والفلسطينيين قد فشلت وان هذا هو الوقت الملائم لاستغلال التحالف الاقليمي الجديد والاستعداد لسلام اقليمي بين الدول. وفي عالم التجارة هناك اتحادات بين الشركات كما يقولون في ديوان نتنياهو، وما لا يمكن لشركة وحدها ان تفعله يستطيع الاتحاد ان يقوم به، والاميركيون يدركون هذه اللغة جيدا.

انسجام مدهش وواضح

هناك ثلاثة مراكز قوة في الدولة تعمل بدأب لاعداد الخطة التي سيطرحها نتنياهو في اخر المطاف على باراك اوباما: نتنياهو وديوانه والرئيس شمعون بيريز وايهود باراك وافيغدور ليبرمان. ولو ان الامر اعتمد على بيريز كثيرا لدعت اسرائيل غدا الملك عبدالله ملك السعودية وحافظ الاسد وقادة عرب اخرين للتوقيع على الخطة السعودية. اسرائيل كانت ستنسحب لخطوط حزيران 67 ولو ابقت بحوزتها الكتل الاستيطانية وعوضت الفلسطينيين بمناطق بديلة اخرى.

بيريز مستعد لتقسيم القدس بين اسرائيل والفلسطينيين بين السلام والتنازل عن السيادة الاسرائيلية في جبل الهيكل. وهو يدفع بأفكاره هذه بلا كلل. وفي اليوم الثاني من العيد ذهب الى منزل نتنياهو في قيسارية وجلس معه لساعات. كما ان بيريز يحافظ على التزاوج الجديد بين نتنياهو وباراك. ويبدو باراك نفسه مستعدا لقبول الخطة السعودية مع تحفظات كثيرة ويطلب ادخال سورية للصورة وهو مستعد للتوصل لتسويات معمقة مع الفلسطينيين. أما ليبرمان فليس مستعدا لسماع اسم الخطة السعودية لأنها تسعى للوصول لتسوية دائمة من دون السيطرة على العملية وفيها ذكر لحق العودة.

ولكن، في المحادثات المغلقة يكون ليبرمان اكثر سخاء في قضية الدولتين رغم الانطباع المتصلب الذي يعبر عنه نحو الخارج في الاطر الواسعة.

يقوم نتنياهو بالجمع بين المواقف ويأخذ عنصرا من كل واحد ليبني خطة سياسية جديدة (هو لا يسميها خطة سلام) تواجه المطالب الفلسطينية. وليس لدى نتنياهو استعداد للتنازل عن هذه القضية. وستكون المواجهة مع اوباما حول عدة مسائل جوهرية. فسوف يطالب نتنياهو الفلسطينيين بالاعتراف بالدولة القومية لليهود وسيطلب مسبقا بان يكون الكيان الفلسطيني (لن تسمعوا كلمة دولة منه) منزوع السلاح من دون مجال جوي ومجردا من القدرة على عقد الاتفاقيات وستكون لاسرائيل سيطرة على المعابر. وسيكون مستعدا لإعطائهم صلاحيات سياسية واقتصادية او تربوية فقط. ويقول نتنياهو لاتباعه "انا لا اعرض شقة من خمسة غرف حتى آخذ من المشتري غرفتين بعد التوقيع على الاتفاق. انا اعرض مسبقا ما يمكنني ان اعطيه. ان كانت هذه ثلاثة غرف او اثنتان فقط". ويعتقد معارضو نتنياهو بأنه يعيد الدولاب الى بداية الالفين. والنتيجة العنيفة ستكون مسألة لا مفر منها.

تاريخ العلاقات القصير بين اوباما ونتنياهو لا يبشر بالسوء، فقد التقيا مرتين في الماضي مرة في عام 2007 في ديوان المدير العام في مطار واشنطن. كان نتنياهو في ذلك الوقت رئيس المعارضة وكان متوجها للبلاد مع رفيقه دوري غولد. وكان اوباما حينئذ سيناتورا عائدا من زيارة للعراق وقلقا جدا من التغلغل الايراني في تلك الدولة. وقد حاول نتنياهو اقناعه بزيادة الضغوط الاقتصادية على ايران من خلال تشريع يحظر على شركات التقاعد الاستثمار في ايران. وقد تحمس اوباما ووعد برفع القضية للنقاش.

في المرة الثانية التقى الاثنان في شهر تموز (يوليو) الأخير في فندق الملك داوود في القدس . وكان اوباما في خضم المنافسة حول الرئاسة واشتكى على مسامع نتنياهو واتباعه المتفاجئين من الحملة الصعبة والمشاكل التي تتسبب بها هيلاري كلينتون له. وفي اخر اللقاء سحب اوباما كرسيا لزاوية الغرفة وطلب من نتنياهو الانضمام اليه لمحادثة منفردة الامر الذي فسر بمبالغة على انه "انسجام مدهش". لكن السؤال المطروح الآن هو:  هل سيسحبان كراسيهما إلى زاوية البيت الابيض ام انهما سيقومان بقذف بعضهما البعض بها.