في دمشق: كأنما الحرب انحسرت، والأسد في أفضل حال

صورة دعائية للرئيس السوري بشار الأسد في المنطقة المؤيدة للحكومة من حلب – (أرشيفية)
صورة دعائية للرئيس السوري بشار الأسد في المنطقة المؤيدة للحكومة من حلب – (أرشيفية)

جيريمي بوين*

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

(نيو ستيتسمان) 21/11/2014
الاستنتاج الكبير الذي صحبته معي من الأيام العشرة التي قضيتها في دمشق مؤخراً هو أن نظام بشار الأسد يبدو الآن أكثر ارتياحاً من أي وقت مضى منذ اندلاع الحرب في العام 2011. وعلى أحد المستويات، لا يبدو هذا الاستنتاج منطقياً. لقد فقد الرئيس السوري السيطرة على أجزاء واسعة من البلد. والجماعات الجهادية، مثل "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة" الموالية لتنظيم القاعدة، في صعود. كما أن مجموعات، بما فيها الجيش السوري الحر، تبدو أكثر من مُسيطرة على مناطقها الخاصة في الجنوب.
ولكن، في دمشق، تبدو الحرب وأنها قد انحسرت. لم تعد المدينة تهتز كثيراً بفعل الانفجارات وعويل القصف المدفعي المستمر. كما استولت القوات المسلحة السورية على الأراضي حول العاصمة، وتفاوضت على إبرام اتفاقات وقف إطلاق نار محلية. وما يزال الثوار يقاتلون والكثير من الناس ما يزالون يموتون. وقد جرت الحرب السورية إليها كل جيرانها تقريباً، بطريقة أو بأخرى. لكن يبدو أن الرئيس الأسد أصبح يمتلك مزيداً من الفرص الآن.
بدأت ثقة الرئيس بالارتفاع منذ إفلاته بالكاد من تلقي ضربات جوية أميركية في السنة الماضية، بعد اتهام نظامه باستخدام أسلحة كيميائية. ومن وجهة نظر النظام، فإن باراك أوباما هو الذي "طرف بعينه" أولاً. وكان التخلي عن الأسلحة الكيميائية ثمناً بخساً في مقابل تجنب التعرض لقوة النار الأميركية الرهيبة.
بعد الضربات الجوية
أكثر من أي وقت مضى، أصبح مسؤولو الحكومة السورية يقدمون الحرب الآن باعتبار أنها خيار بسيط: الأسد، أو القتلة المتعطشون للدماء من "الدولة الإسلامية" أو "القاعدة". أما الخطط الأميركية لتسليح المعارضة، كما هو حالها الآن، فإنها لا تنطوي على الكثير من الضرر، ناهيك عن تدمير الجهاديين. لكن الضربات الجوية الأميركية يمكن أن توقف التقدم الجهادي.
الولايات المتحدة، التي كانت قريبة جداً من استخدام قوة ضرباتها وغاراتها التي لا مثيل لها ضد النظام قبل أكثر قليلاً من عام مضى، أصبحت الآن تقصف في سورية بطريقة تجعل الرئيس الأسد أكثر أمناً. ولا عجب أن يكون المشهد من نافذة القصر الرئاسي في دمشق قد تحسن.
شتاء السخط
في المرة الأولى التي تمكنت فيها من الحصول على تأشيرة لأكتب تقاريري الإخبارية من دمشق زمن الحرب، كان الوضع مختلفاً تماماً. بعد احتجاجات الشوارع التي بدأت في سورية في العام 2011، ثم تحولت بعد ذلك إلى حرب إطلاق نار، سمح نظام الأسد في البداية بدخول عدد قليل جداً من الصحفيين الأجانب. وقد استغرق الأمر حتى شهر كانون الثاني (يناير) لاذع البرودة من العام 2012 حتى تمكنت من الوصول إلى دمشق مع فريقي. وقد وجدت، وعلى نحو أثار دهشتي، أن الثوار المسلحين قد استولوا على أجزاء من الضواحي. في ذلك الوقت، كنت تستطيع أن تقود سيارتك من وسط دمشق، وتعبر آخر نقاط التفتيش الحكومية، لترى بعد دقائق قليلة العلم الثوري والرجال المسلحين، متجمعين معاً في مواجهة الشتاء، مستدفئين بعزمهم على إسقاط الأسد.
إطلاق النار على الرسول
في الزيارات التي تلت إلى دمشق والمدن الأخرى التي يسيطر عليها النظام السوري، كنتُ قد كتبت تقاريري عن مؤيديه وعن أعدائه على حد سواء. لكنه أصبح من الأصعب بكثير العبور إلى الضواحي التي يسيطر عليها الثوار في دمشق عندما تقوّت الخطوط الأمامية، وحوَّل الجيش السوري أسلحته الثقيلة وقواته الجوية ضد الثوار، لكننا فعلنا كلما كان ذلك ممكناً.
كنتُ مسروراً بالتقارير الإخبارية التي نُعدّها. كنا نستطيع رؤية كلا الطرفين. وحتى في مناطق النظام، كان هناك قدر أكبر من حرية الحركة للصحفيين مما كان في ظل عراق صدام حسين، أو في ليبيا العقيد معمر القذافي. لكنني وجدت أيضاً أن القول القديم عن قتل الرسول يمكن أن ينطبق على عصر الإعلام الاجتماعي أيضاً. وليس مفاجئاً في ضوء المذبحة القائمة في هذا البلد، أن سورية أصبحت تستقطب الرأي، بالقدر نفسه الذي فعلته الحرب الطويلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين تقريباً.
يرد معارضو الرئيس الأسد على "تويتر" بغضب على أي اقتراحات تقول إن لديه مؤيدين. وما يزالون يفعلون. صحيح أن لدى الرئيس الأسد الكثير من الأعداء. لكنه ما يزال لديه رجال مستعدون للانضمام إلى القوات المسلحة السورية، وربما الموت من أجل رؤية الأسد لسورية. إنهم يعتقدون أنهم يقاتلون من أجل عائلاتهم ومن أجل بلدهم ضد الجهاديين الأجانب الذين سيقتلونهم إذا استطاعوا. ولو لم يكن لدى الرئيس الأسد قدر يعتد به من الدعم، لكانت الأحداث قد اجتاحته مباشرة في العام 2011، شأنه شأن السادة مبارك في مصر، وبن علي في تونس، والقذافي في ليبيا. لكنه ما يزال يقاتل بدلاً من ذلك، وكذلك يفعل جيشه.
المدينة غير السعيدة
لو أنني لم أذهب إلى سورية في الأسابيع القليلة الأخيرة، لكنت قد ذهبت إلى القدس. فقد بدا واضحاً منذ الصيف أن ثمة متاعب جدية ومشكلات خطيرة تختمر في المدينة المقدسة غير السعيدة. وكانت عملية القتل التي أودت بحياة أربعة يهود في كنيس غرب القدس أثناء أدائهم الصلاة مؤخراً، بمثابة تحذير مما يمكن أن يكون آتياً على الطريق في قادم الأيام. إن الإسرائيليين والفلسطينيين متباعدون الآن بقدر ما كان حالهم منذ بدأت الانتفاضة الثانية قبل 14 عاماً. إن هذا الوضع الراهن ليس قابلاً للاستمرار ولا ينبغي له. إنه يضمن المزيد من إراقة الدماء فحسب.
إطعام المتصيدين
في المرة الأولى التي ذهبت فيها إلى حرب، في السلفادور في العام 1989، أدهشتني حقيقة أن الطماطم كانت تُباع على بعد بضعة شوارع من وسط القتال في العاصمة السلفادورية، سان سلفادور. وقد أوجعني ضميري. هل كان ينبغي أن أضمن هذه القطعة الصغيرة من الطبيعية النسبية للحياة في تقريري؟ لم أفعل في ذلك الوقت. لكنني تساءلت منذئذ عن الكيفية التي يمكن أن أعكس بها بقايا الحياة العادية التي يمكن أن توجد في أكثر الأماكن بعداً عن الطبيعية.
في الآونة الأخيرة، وبينما أكتب تقاريري عما يحدث في أماكن الحرب لصالح محطة هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي)، اعتدت على إرسال صور للطعام. وقد أرسلت الكثير منها من دمشق. ويعود ذلك في جزء منه إلى اعتقادي بأن الطعام يقول الكثير عن المجتمع. وأيضاً لأن من المهم إظهار كيف يعيش الناس مثلما يتم إظهار كيف يموتون. وقد تلقيت الكثير من التصيُّد والنقد من جهة أولئك الذين لا يوافقون، على أساس أن أي شيء سوى أهوال الحرب هو تشويه وإلهاء. لكنني أختلف مع هذا. إذا كنتم لا تحبون، أيها المتصيدون، لا تنظروا إلى الصور.

*محرر هيئة الإذاعة البريطانية في الشرق الأوسط.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: In Damascus, the war seems to have receded, and Bashar al-Assad looks more comfortable than ever.

اضافة اعلان

[email protected]