في ديستوبيا إسرائيل، مراقبة الفلسطينيين "تحسن نوعية حياتهم"

صورة لكاميرا أمنية تطل على مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة – (المصدر)
صورة لكاميرا أمنية تطل على مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة – (المصدر)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة أورلي نوي* - (مجلة 972+) 9/11/2021 لا يبدو أن الجيش الإسرائيلي يدرك مدى سخافة الزعم بأن مراقبة الفلسطينيين تحت الاحتلال تجعل حياتهم أفضل، أو أنه لا يهتم... وفي رسالة أعيد نشرها في صحيفتي "الغارديان" و"هآرتس" في العام 2014، أكد قدامى المحاربين في وحدة الاستخبارات 8200، الذين أعلنوا رفضهم الخدمة في احتياطي الجيش، أن المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها وتخزينها في قواعد البيانات العسكرية الإسرائيلية "تضر بالأبرياء، وتُستخدم لأغراض الاضطهاد السياسي وخلق الانقسام في داخل المجتمع الفلسطيني من خلال تجنيد المتعاونين وتحويل أجزاء من المجتمع الفلسطيني ضد نفسه". * * * ربما لم يتبق سوى القليل من الأخبار عن الاحتلال التي يمكن أن يثير الكشف عنها ارتجافة في الأطراف، أو حتى شذرة من الشك الذاتي، بين الجمهور اليهودي الإسرائيلي. ولكن، إذا كان ثمة شيء من ذلك، فإن تقرير صحيفة "الواشنطن بوست" الاستقصائي عن نظام المراقبة الإسرائيلي الجديد في الضفة الغربية المحتلة هو بالتأكيد أحد هذه الأخبار. قاعدة بيانات "الذئب الأزرق" Blue Wolf -التي تستخدم تقنية التعرف على الوجه والمحظورة في العديد من البلدان- هي نوع السياسة التي تضع إسرائيل في القائمة نفسها مع بعض من أكثر الحكومات قسوة واستبداداً في العالم. ويبدو تطبيق هذا البرنامج، الذي يطلق عليه اسم "فيسبوك للفلسطينيين"، كما لو أنه مأخوذ من رواية خيال علمي بائسة. وفيه، يقوم الجنود الإسرائيليون بتصوير المارة الفلسطينيين بشكل عشوائي في شوارع قرى ومدن الضفة الغربية، بغض النظر عما إذا كانوا مشتبهاً بهم بأي شيء، ويُدخِلون تفاصيلهم في قاعدة بيانات تجمع بين التعرف على الوجه وسجلاتهم الشخصية. ووفقًا لتقرير "الواشنطن بوست"، تتنافس وحدات الجيش مع بعضها بعضا في عدد الفلسطينيين الذين تتمكن من تصويرهم. ليس ثمة ما هو جديد في تحويل الجنود الإسرائيليين سوء معاملة الفلسطينيين واضطهادهم إلى لعبة. خلال "مسيرة العودة الكبرى"، تنافس القناصة المتمركزون على طول السياج بين غزة وإسرائيل مع بعضهم بعضا حول من يمكنه إطلاق النار على المزيد من المتظاهرين الفلسطينيين -الذين كانت الغالبية العظمى منهم غير مسلحين ولم يشكلوا أي تهديد- وإصابتهم في ركبهم. هذا التجريد من الإنسانية، بعد كل شيء، هو عنصر أساسي في الحفاظ على نظام التفوق العنصري الإسرائيلي. في الأثناء، كاد رد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على المقال أن يطوي في ظلاله الخبر نفسه، حين قال دون أن يرف له جفن: "الأنشطة الأمنية الروتينية هي جزء من مكافحة الإرهاب والجهود المبذولة لتحسين نوعية الحياة للسكان الفلسطينيين في يهودا والسامرة"، (الاسم الرسمي الذي تطلقه إسرائيل على الضفة الغربية). يبدو أن الجيش معتاد تماماً على استقبال وسائل الإعلام الإسرائيلية المتملق لأكاذيبه، لدرجة أنه فقد القدرة على إدراك مدى ضلال ردوده، خاصة تجاه إحدى الصحف العالمية الرائدة. إن محاولة الجيش تصوير هذا الواقع -حيث تقوم قوة محتلة بصب موارد ضخمة في قاعدة بيانات بيومترية من أجل تعميق سيطرتها على السكان المحليين- كوسيلة "لتحسين نوعية حياتهم"، هي شيء مضحك حقاً. ويصبح الأمر أكثر غرابة وسخفاً بالنظر إلى أن الجنود الإسرائيليين يغضون الطرف بشكل روتيني، أو يقفون مكتوفي الأيدي، عندما يهاجم المستوطنون الإسرائيليون المسلحون الفلسطينيين في وضح النهار. أين كانت كل هذه الإجراءات الوقائية المجيدة ذات التقنية العالية عندما قتل المستوطنون اليهود إسماعيل الطوباسي في أيار (مايو)؟ ما مقدار التطور التكنولوجي المطلوب لتحديد مواقع المستوطنين والجنود الذين تم توثيقهم وهم يسيئون معاملة الفلسطينيين؟ ما البرامج المتقدمة اللازمة لوقف عنف المستوطنين المتصاعد ضد المزارعين الفلسطينيين خلال كل موسم من مواسم قطف الزيتون؟ هل تهدف كاميرات التعرف على الوجه التي نصبها الجيش في الخليل أيضًا إلى "تحسين نوعية الحياة" لسكان المدينة الفلسطينيين الذين يُمنعون من الدوس على بلاطات الشارع نفسها التي يدوس عليها أفراد العرق المتفوق؟ هل استخدام برنامج التجسس Pegasus ضد مجموعات حقوق الإنسان الفلسطينية، التي تم إعلانها "منظمات إرهابية" من دون ذرة من الأدلة الجادة، يهدف أيضًا إلى تحسين نوعية حياة الفلسطينيين؟ لطالما اعتمدت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على التأثير الخلاب الذي تتركه كلمة "الإرهاب" على الجمهور الإسرائيلي، ما مكّن الدولة من تطبيق أبشع الممارسات البربرية والقمعية باسم هذه الحرب الأبدية على الإرهاب. لكن هذه الكلمة لم تعد تعمل بالسحر نفسه في مواجهة الحقيقة حول سياساتها. في رسالة أعيد نشرها في صحيفتي "الغارديان" و"هآرتس" في العام 2014، أكد قدامى المحاربين في وحدة الاستخبارات 8200، الذين أعلنوا رفضهم الخدمة في احتياطي الجيش، أن المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها وتخزينها في قواعد البيانات العسكرية الإسرائيلية "تضر بالأبرياء، وتُستخدم لأغراض الاضطهاد السياسي وخلق الانقسام في داخل المجتمع الفلسطيني من خلال تجنيد المتعاونين وتحويل أجزاء من المجتمع الفلسطيني ضد نفسه". وقال أحد المستنكفين ضميرياً في ذلك الوقت بالتفصيل: "خلال خدمتي، جمعت، من بين أمور أخرى، معلومات استخبارية عن الأبرياء، الذين كان ذنبهم الوحيد هو أنهم كانوا موضع اهتمام لجهاز الأمن الإسرائيلي لأسباب مختلفة. إذا كنتَ مثليًا وتعرف شخصًا مطلوباً، فإن إسرائيل ستجعل حياتك بائسة. إن الشخص البريء الذي يمكن ابتزازه مقابل الحصول على معلومات أو تجنيده كمتعاون هو منجم ذهب لنا ولمجتمع المخابرات الإسرائيلي بأكمله. في الدورة التدريبية، تتعلم في الواقع وتحفظ كلمات مختلفة لكلمة "مثلي" في اللغة العربية". إلى جانب تعميق سيطرتها على الفلسطينيين، فإن نوع التقنيات التي كشفت النقاب عنها صحيفة "الواشنطن بوست" يدر أرباحًا ضخمة على إسرائيل أيضاً. وكما أوضح محامي حقوق الإنسان، إيتاي ماك، بعد الكشف عن قضية "بيغاسوس" في وقت سابق من هذا العام، فإن بيع إسرائيل لتقنيات المراقبة، بما في ذلك الأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان بشكل روتيني، كان منذ فترة طويلة جزءًا لا يتجزأ من دبلوماسية الدولة. وليس من قبيل الصدفة أن بعضاً من أكثر الأنظمة قسوة في العالم أصبحت زبائن متعطشين لتقنيات القمع الإسرائيلية: ففي نهاية المطاف، تجيء هذه التقنيات وقد تم اختبارها في المعركة بعد استخدامها ضد ملايين الفلسطينيين في مختبر الأراضي المحتلة. ويحدث كل ذلك، بالطبع، بهدف مثير للإعجاب هو "تحسين نوعية حياتهم". *محررة في Local Call وناشطة سياسية ومترجمة للشعر والنثر الفارسيين. *نشر هذا المقال تحت عنوان: In Israel’s dystopia, surveilling Palestinians ‘improves their quality of life’اضافة اعلان