في ذكرى وفاة لمعة بسيسو الرزاز.. لكل من اسمه نصيب

مع أحفادها- (من المصدر)
مع أحفادها- (من المصدر)

نجوى الزهار

عمان- لقد قيل لكل من اسمه نصيب، كانت وما تزال لامعة براقة كما تلمع حبات الألماس، فيها صلابة الألماس وفيها بريقه وانعكاساته.
هي لمعة الأمس ولمعة اليوم ولمعة الآتي. هي الجذور الضاربة في تراب روح كل من استطاع أن يتعرف على روحها. إنها الأشجار. تلك الأشجار التي تتكسر أغصانها يوماً ما بفعل الريح أو بفعل يدٍ عابثة. ولعل مياههم تحجبها صخور متناهية في الصلابة. ولعل الشمس تغيب كل السنين.
ولكن هذه الأشجار لا تتوانى عن استضافة نبات متناه في الصغر لكي يتسلق الجذع وتتقاسم وإياه نعمة الغذاء.
هي الطفلة التي ما تزال ترى حجراً في طريقها، حتى تبدأ بمداعبته بدفعات طفولية. هي لمعة التي تدرس وتلعب بآن واحد، لأن حيوية الحياة تدور معها وبها. قادرة على تحدي منعها من اللعب خارج المنزل، فترتدي ملابس الأخ وتخرج لتلعب بالطابة.
وإذا ما أردنا أن نفهم لمعة أكثر، كيف كان مشوارها وما يزال، علينا أن نقترب من منطق الجزئيات وكيف تتراكم. وكيف كانت تتعامل مع التفاصيل الصغيرة. تلك التفاصيل الصغيرة هي بالحقيقة التي تؤدي إلى النتائج الكبيرة.
فلقد كتبت لمنيف في رسالة 15/9/58:
"وإنك تظن بأني أتحمل الكثير. وأن المشاكل المالية تضايقني، أنت غلطان جدا. فهذه المشاكل وقتية.. وهي لا تحمل من تفكيري وأعصابي أكثر من أي مشكلة روتينية أخرى. كتصليح ساعة ماء".
وعت لمعة مبكرة ومبكرة جداً أن الوطن بحاجة للقوة الإيجابية من المرأة.. والرجل.. وأن هذا الانفصال في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل لا يُفيد أيا منهما، كلاهما بحاجة للحقوق التي تحفظ الكرامة.
هذه هي النظرة الحقيقية لبناء الأسرة والوطن. فتدعم الزوج الماضي في طريق تحقيق الأحلام، تلك الأحلام كانت أيضاً أحلامها ولكن مخاوفها النابعة من تجليات الأمومة. أطلت على مشوارها بأكثر من شكل ومذاق.

مع الراحل مؤنس الرزاز- (من المصدر)
اضافة اعلان

فكتبت في رسالة لها:
"هذه الأمة المنكودة في عالم اختطلت فيه الأمور فما عاد الإنسان يدري موقع قدميه، أهو على الشط؟ أم في لجج البحر العاتية؟ أيقفز الى اليمين أم الى اليسار؟ وأيهما اليمين وأيهما اليسار؟ وأين يقع الحق بينهما؟ أين يقع حق الإنسان كإنسان حي له قدسيته وله حقوقه وله حق العيش الحر وتقرير المصير؟".
وعندما عرفت أن مراكب البهجة قد بدأت بالرحيل من الطفل مؤنس، تحركت الأم الصديقة لمؤنس وكتبت لمنيف:
"أما مؤنس فقد قررت تغيير الجو بالنسبة إليه، مهما كلف الأمر فقد أصبحت أخاف عليه من الانهيار العصبي، فأعصابها لطفلة لا تستطيع الصمود لهذه الدوامة".
هي تشرح للأب، ولكن عصاها السحرية لا تتركه وهو السجين بلا حلول.
لأنها طوبة الحب. امتلكت يداها دفء شمس منتصرة وتراب وطن معجون بقطرات الندى. فاستطاعت أن تبقى دائما وأبداً ملاذاً.. سكينةً.. وأماناً.. لكل الذين قُدر لهم أن يُكونوا معها علامات مضيئة على الدرب. بعض الأرواح تأتي إلى الدنيا هكذا لعلها تود أن تكون مسكناً آمناً لخميرة الحب. ولعلها تود أن تكون علامات فقط. علامات على الدرب.
أما الذين لم يتقارب زمانها مع زمانهم. ولا مكانها مع مكانهم. فتركت لهم جزء من ذاتها عبر رسائلها الممتدة مع منيف.. مؤنس.. وعمر.. فكتبت لنا جميعاً:
"في قلبي دواوين حب، لن يكفيني ما بقي من العمر لأشرحه لكم"
تداري الألم بالأمل، ثم تعيش مع ذاتها بكل صدق وحميمية، فهي استطاعت في ذلك الزمن، أن تتعرف على نعمة الخيال وعلى سحر الأحلام. بأن تحضر البحر، البحر المتوسط كله على شباك نافذتها في بغداد أثناء الإقامة الجبرية. فرأت البحر ورأت الوطن وركضت في الروابي، صعدت التلال الخضراء. أمسكت بالماء بين يديها.
وأما نحن فنقول لك يا أيتها الشمس التي لا تغيب:
"من ذا الذي زرع حبة الأمل في هذا التراب.. ولم يفض عليه ربيع كرمه بمائة حبة".

لمعة بسيسو الرزاز في المرحلة الجامعية- (من المصدر)