في رمضان.. كيف يتوسع عطاء الإنسان ويتشعب ليصل أرحامه؟

ربى الرياحي

عمان- لشهر رمضان قدسيته الخاصة التي يمتاز بها عن بقية أشهر السنة، ففيه يتساوى الناس وتتآلف النفوس وتتلاشى الأحقاد وتكثر الصدقات والعطايا، ولا سيما بين الأقارب.اضافة اعلان
استمرار جائحة كورونا والإغلاق والوضع الاقتصادي الصعب وفقدان الكثيرين وظائفهم، كل ذلك زاد من العوز والفقر وتسبب في الضغط نفسيا وماديا على عائلات لم تعد قادرة على سد رمق أبنائها وتأمين لقمة العيش لهم.
كورونا، كأزمة، تتطلب من الجميع، وتحديدا في شهر رمضان، التكاتف والترابط وتقديم الدعم والمساندة لكل من يحتاج لها، فهي ورغم ما فيها من سلبيات وألم، إلا أنها تمكنت من التقريب بين القلوب وحفزت الكثيرين على عمل الخير وصلة الأرحام وتلبية احتياجات بعض الأسر المتضررة من الجائحة وانتشالها من هموم أثقلت كاهلها وأتعبتها.
ليست رابطة الدم والأخوة هي ما تدفع الشاب أحمد عزمي للوقوف إلى جانب أخيه في ظروفه الصعبة، فقدوم شهر رمضان هذا العام مع استمرار جائحة كورونا لم يكن بالأمر السهل، تحديدا أولئك الذين خسروا عملهم ولم يعد لهم مصدر رزق يسندهم ويجنبهم سؤال الناس.
رب الأسرة اليوم يواجه ضغوطات كبيرة تشعره غالبا بالتقصير أمام أبنائه، وهو ما لاحظه شقيقه أحمد الذي يرى الحزن والقلق في عيني أخيه الكبير بعد أن أجبر على ترك عمله، فأصبحت الهموم تحيطه من كل جانب وبات غير قادر على تأمين إيجار البيت الذي يؤويه هو وأسرته. لذلك وجد أن عليه أن يكون الكتف الثابت بالنسبة لأخيه في هذه المحنة، فما كان منه إلا أن يسارع إلى تخفيف معاناته، وذلك بتخصيص مبلغ شهري له يستطيع من خلاله دفع إيجار البيت.
أحمد يدرك أن مساهمته البسيطة هذه، ووفق وضعه المادي، لن تنهي المشكلة بالكامل لكنها على الأقل كافية لأن تشعر أسرة أخيه بالأمان والاستقرار.
أم عدي هي أيضا تعاني وضعا ماديا صعبا بسبب الأزمة وتوقف زوجها عن العمل. تقول إن الفرحة ناقصة بعودة رمضان رغم اشتياقنا الكبير لروحانياته وأجوائه المميزة المباركة. وتبين أن كل شيء تغير في زمن كورونا، ولم يعد هناك أي ضمانات، جميع الناس في قلق دائم على رزقهم وصحتهم، وأسر تأثرت بالجائحة وبات الآباء يشعرون بتقصيرهم أمام أبنائهم رغم أنه لا شيء بأيديهم والظروف أقوى منهم. وتشير إلى أن تغير وضعهم المادي بعد أن كانوا يعيشون برفاهية، انعكس سلبا على أبنائها الثلاثة الذين بدؤوا يتذمرون ويبدون استياءهم تجاه كل شيء. وفي رمضان تزداد المصاريف، وخاصة أن الوضع الراهن استثنائي يشهد ضغوطات نفسية واجتماعية ومادية.
أحد أقاربهم لم يتركهم في هذه الظروف، بل عزم على مساندتهم والوقوف معهم حتى يتمكنوا من تجاوز الأزمة، إذ إن حبه للخير وشعوره الدائم بغيره ممن تضرروا يدفعه لأن يتفقد أقاربه وجيرانه وكل من هو بحاجة للمساعدة، وتؤكد أن تزويده لهم بالمواد الغذائية خفف عليهم الضغط الكبير الذي يعيشونه، فضلا عن أن هذا الأمر أشعرهم بأنهم ليسوا وحدهم في هذه الحياة وأنه ما يزال هناك أناس يمكن الاتكاء عليهم يفعلون الخير لأجل الخير فقط.
أستاذ الشريعة منذر زيتون، يرى أن عمل الخير أمر مطلوب في كل وقت وكل حين، لكنه في رمضان تكون الحاجة إليه أكبر لأسباب عدة، كما أن الفقراء في هذا الشهر تتضاعف حاجتهم لدعم ومساندة من حولهم أكثر من الأيام الأخرى، وذلك لأن لديهم أطفالا يريدون أن يفرحوهم وأن يلبوا كل احتياجاتهم.
ويذهب زيتون الى أن الأجور تكون مضاعفة في رمضان، لذا حث الله سبحانه وتعالى على الإكثار من عمل الخير فيه، قال الرسول عليه الصلاة والسلام "إن الله ينظر إلى تنافسكم في رمضان، فأروا الله من تنافسكم خيرا". ولعل من أكثر وأعظم الخير أن يعطي الإنسان أخاه الإنسان كما يريد الله، وكما يعودنا هذا الشهر المبارك على رهافة المشاعر والإحساس بالآخرين، فنحن نجوع معا ونأكل معا ونتقارب في رمضان بمشاعرنا وشعائرنا.
ويضيف زيتون أن العمل الصالح في رمضان يتضاعف أجره، خاصة الهبات والصدقات حتى أنه يصل إلى 700 ضعف، فمن الضروري الحث على الخير وصلة الأرحام ومد يد العون لكل محتاج، ولا سيما في الظروف الحالية الصعبة نتيجة انتشار وباء كورونا وما تبعه من أحوال اقتصادية سيئة، فالكثير من أصحاب الأعمال أغلقوا متاجرهم وخسروا مصدر رزقهم وتلبس آخرين بالديون المتراكمة، ما أدى هذا وبكل أسف إلى انتقال هؤلاء الناس من طبقة المقتدرين أو المتوسطين إلى طبقة الفقراء أو القريبين للفقر، وبالتالي هنا تزداد المسؤولية تجاههم وتجاه أنفسنا.
ووفق زيتون، فإن الخير مطلوب تجاه كل الناس دون استثناء، لكن بالنسبة للأقارب والأرحام الخير مطلوب تجاههم بشكل أكبر لأن مسؤولية الإنسان لا تقف عند حدود نفسه ولا حدود أسرته الصغيرة وإنما تتوسع وتتشعب لتصل لكل أرحامه، ولذلك قال تعالى "وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله"، وقال "الأقربون أولى بالمعروف". صحيح أن تقديم الخير والمعروف يجب أن يكون لكل محتاج أو سائل على حق إلا "أن الأولى أن نهتم بأقاربنا وأرحامنا لأن في ذلك الأمر أجرين؛ أجر صلة الرحم أولا وأجر الهبة أو الصدقة ثانيا".
ويذهب الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة إلى أن الدعم والمساندة النفسية في غاية الأهمية، وتحديدا في ظل استمرار جائحة كورونا وما ترتب عليها من ضغوطات كبيرة كفقدان الكثيرين وظائفهم، وصعوبة توفير لقمة العيش ووصول عدد كبير من الأسر لدرجة الفقر والعوز.
ويوضح مطارنة أن قدوم شهر رمضان في مثل هذه الأوضاع الصعبة يفرض المزيد من المسؤولية، فالجميع بحاجة لبعضهم بعضا، وفي هذه الأوقات بالذات ينبغي أن يسود التكافل بين الناس، ولا سيما الأقارب، فهم بحاجة لمن يشدد من أزرهم ويسندهم ويقف إلى جانبهم حتى يستطيعوا تجاوز الأزمة بكل ما فيها من تحديات ومصاعب.
ويؤكد أن تقديم العون والمساعدة للأقارب يشعرهم بالأمان ويقويهم ويرفع من معنوياتهم ويجعلهم أكثر تفاؤلا، وذلك لأنهم يتحررون من فكرة أنهم وحدهم في هذه المحنة القاسية.