في سبيل تعزيز الصحة النفسية

نعيش في عالم ازداد تعقيدا. عالم سريع يتطلب دائما أن نلهث خلفه. متطلبات الحياة تضاعفت، وساعات الراحة والهدوء تقلصت كثيرا عما كانت عليه قبل عقود. كل ذلك يزيد من الضغط على أعصابنا وحواسنا، ويخلق توترات عديدة تضعف من قابليتنا لأن نعيش بهدوء، ما يفتح الباب أمام أن تداهمنا الأمراض النفسية. المجتمع لا يولي الصحة النفسية والعقلية أهمية كبيرة، فتلك ثقافة غائبة وقد تكون لا تذكر، بالرغم من الآثار المدمرة التي تطال حياة الشخص حينما لا يجد من يقف معه ويشعر بحالته واضطراباته ويقدم له العلاج اللازم الذي يعينه على مواصلة حياته بسلام وأمان وطمأنينة. الثقافة النفسية لا تحظى بالاهتمام المطلوب لدى العائلات؛ إذ إن كثيرا منها ترتعب لمجرد ارتفاع بسيط على درجة حرارة ابنها، أو إن أصابه ألم بأسنانه، ولكنها، بالتأكيد، لا تراقب سلوكه وتعاطيه مع الأمور والأحداث والأشياء، لترى إن كان سلوكا طبيعيا، أو أنه يعاني خطبا ما. ثقافتنا بأعراض الاضطرابات النفسية للأبناء، كبارا كانوا أم صغارا، تعد ضحلة، وتحتاج إلى بناء من جديد. ورغم الإشارات الواضحة التي يعبر المرض النفسي عن وجوده من خلالها، إلا أنه يصعب اليوم على العائلات ملاحظة ذلك. الأمر الآخر، هو أن حاجز "الخجل" يقف حائلا أمام التعامل مع الأطباء النفسيين رغم الحاجة الماسة لخبراتهم لمواصلة الحياة والوقوف على المسببات، لكن الاعتقاد السائد بأن المعاناة النفسية هي نوع من "الجنون" ويقين مجتمعي بأنها "وصمة" أكثر خطورة من المرض نفسه، كفيل بمنع الكثيرين من اللجوء لهؤلاء المختصين! 90 % من الأمراض النفسية كان يمكن علاجها في حال التشخيص المبكر لها. هكذا تقول الدراسات العالمية، فماذا لو كان هناك وقاية مبكرة؟ ألن تكون الحل الناجع قبل أن يصل المريض لحالة متأخرة يصعب علاجها؟ في المدرسة، يغيب للأسف أشخاص مؤهلون يفترض أن تكون أدوارهم واضحة عبر القيام بواجباتهم المنوطة بهم تربويا ونفسيا تجاه الطلبة بمراحل مبكرة تساعد على تحصينهم وحمايتهم، في الوقت الذي تبين أن 50 % من جميع الأمراض النفسية تبدأ في عمر الطفولة. لا أحد ينكر حقيقة أن عالم الطب النفسي بمراحله المتقدمة كان وما يزال ملجأ للنخبة ولمن يستطيع دفع أثمان باهظة كي يحصل على علاج وأدوية تساعده على مواصلة حياته بشكل طبيعي. لكن ماذا عمن لا يملك المال ليصحب ابنه أو زوجته أو شقيقه أو أيا من أفراد عائلته، في ظل تراجع الخدمات الحكومية وقلة عدد الأطباء النفسيين مقابل أعداد فائقة من المرضى! يعاني واحد من كل خمسة أطفال من مشاكل الصحة النفسية بنسب متفاوتة، وثلثا هؤلاء لا يحصلون على تأهيل وعلاج حقيقي، مع غياب شبه تام للمختصين النفسيين المعنيين باضطرابات وأمراض الأطفال النفسية، وفق مختصين. أهمية الأمر دفعت "الغد" لتسليط الضوء على الصحة النفسية في مرحلة الطفولة، عبر ملف خاص ينشر اليوم في ملحق "حياتنا"، ويتناول مختلف الجوانب بمراحل الطفولة المبكرة والآثار التي قد تكون "مدمرة" على الطفل إن لم يتم الالتفات لها ومعالجة الأسباب من قبل متخصصين ومؤهلين بمجال الطب النفسي. كبارا وصغارا، هناك بيننا من يحتاج إلى الأمل. لمن يخفف عن كاهله ثقل الأيام وهمومها، لا يحتاج سوى ليد تمسك به كي يعبر إلى بر الأمان، ولمن يشعر به ولا يتركه في مهب الريح يضيع في طريق غائم مظلم غير واضح المعالم. يحتاج لمن ينظر إليه بحب ويمنحه المساندة ويمسح عن جبينه الآلام والأوجاع التي راكمها الزمن!اضافة اعلان