في سورية: سلام قبيح أفضل من مزيد من الحرب

علم سوري يرفرف بين الأنقاض في حي الحجر الأسود في الضواحي الجنوبية للعاصمة دمشق – (أرشيفية)
علم سوري يرفرف بين الأنقاض في حي الحجر الأسود في الضواحي الجنوبية للعاصمة دمشق – (أرشيفية)

جيمي كارتر* - (نيويورك تايمز) 24/8/2018

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

في قمتهما التي عقداها في هلسنكي، فنلندا، في تموز (يوليو)، قيل إن الرئيس ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين اتفقا على إنهاء الحرب السورية وإبعاد القوات الإيرانية عن الحدود السورية-الإسرائيلية. كما أشار الرئيس ترامب أيضاً إلى أنه مستعد للقبول ببقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه ومستعد لسحب القوات الأميركية من سورية. وهذه بداية. لكن ثمة حاجة إلى فعل المزيد لإنهاء العنف في سورية.اضافة اعلان
بدءاً من العام 2011، احتشدت قوى غربية وشرق أوسطية حول شعار "الأسد يجب أن يذهب". وأفضى هذا التركيز المفرد على مصير الرئيس السوري إلى تصليب المواقف لدى كل الأطراف، وجعل من الأصعب استكشاف أي خيارات أخرى.
ثم تراجعت هذه الدعوات إلى تغيير النظام منذ ذلك الحين، لكن هناك بعض الأصوات المتبقية في الدوائر السياسية الغربية، والتي ما تزال تطالب بنقل كامل للسلطة من حكومة الأسد. لكن ثمة نهجاً أفضل في هذه المرحلة، والذي يتمثل في اختبار قدرة الحكومة السورية على ارتياد مسار جديد ينطوي على إمكانية جلب الحرب السورية إلى نهايتها.
ينبغي على الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة، أن تعاود الانخراط مع الحكومة السورية. ويمكنها البدء بإعادة فتح سفاراتها في دمشق، بما أن غياب الدبلوماسيين من دمشق يفضي إلى تضييع الكثير من الفرص. كما يجب على الغرب أن يتخلى عن هدف تغيير النظام وتخفيض التوقعات حول التحول الديمقراطي في سورية على المدى القصير إلى المتوسط. وبدلاً من ذلك، يجب أن ينصب التركيز على بناء الديمقراطية في البلد بصبر وأناة.
في مقابل معاودة الانخراط مع النظام السوري، يجب أن يُطلب من دمشق تفعيل إجراء الإصلاحات، ولو أن على الغرب أن يبقي مطالبه معتدلة في هذا الصدد أيضاً. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون الغرب مستعداً للإسهام في إعادة إعمار سورية، ربما بطريقة انتقائية حسب القطاع المعني. وسوف تبقى المساعدات الإنسانية وحدها وعاء بلا قاع طالما ظل المبادرون السوريون غير قادرين على إعادة إنعاش اقتصاد البلد لخلق الوظائف، وخاصة للشباب.
لا يمكن إنعاش الاقتصاد السوري بينما يظل البلد تحت العقوبات التي تلحق الأذى بالمواطنين العاديين. وسوف يكون رفع العقوبات حاسماً لحل التحديات الكبيرة التي تشكلها إعادة الإعمار ومعالجة البطالة وتحقيق الإنعاش الاقتصادي. وبخلاف ذلك، فإن جيلاً من الأطفال السوريين الذين سيبلغون سن الرشد في السنوات القليلة المقبلة والشباب العاطلين عن العمل الذين هم الآن في العشرينيات من أعمارهم سيكونون عرضة للمجنِّدين من التمردين والمتطرفين، ويمكن أن يستأنفوا الحرب في العقد التالي.
بغية الشروع في معالجة هذه التحديات الكثيرة، يجب على كل المعنيين الانخراط في عملية سياسية من أجل إطفاء أوار الحرب. ولن يؤدي قيام سورية بتقويض عملية سلام جنيف واستمرار اللامبالاة الأوروبية إزاء الوضع سوى إلى جلب المزيد من عدم الاستقرار والمعاناة.
هناك محركات أخرى للصراع في سورية، والتي تنبغي معالجتها أيضاً. فقد استعادت حكومة السيد الأسد، بمساعدة من روسيا وإيران، السيطرة على الكثير من المناطق التي كانت قد خسرتها لصالح مجموعة من قوات المتمردين، والتي تراوحت بين الميليشيات العلمانية والجهاديين التابعين لتنظيمات مثل "الدولة الإسلامية"، والقاعدة، والجماعات العنيفة المتطرفة الأخرى.
ولكن، وعلى الرغم من هذه المكاسب، فإن الكثير من أجزاء سورية ما تزال خارج سيطرة الحكومة، بما فيها -وفق بيانات مركز كارتر للأبحاث- 27 % من مناطق البلد في الشمال والشرق، والتي يحتفظ بها الأكراد السوريون بمساعدة من تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة. وتسيطر جماعات المعارضة التي تحتفظ البعض منها بعلاقات وثيقة مع تنظيم القاعدة، على محافظة إدلب الشمالية الغربية. كما أسست تركيا محمية على طول حدودها في شمال غرب سورية.
في تموز (يوليو)، التقى وفد كردي مع الحكومة السورية للتفاوض على استمرار الحكم الذاتي بحكم الأمر الواقع الذي أمّنه الأكراد لأنفسهم في وقت مبكر من الحرب. وكان هذا تطوراً بناء، ويجب تشجيع المزيد من مثل هذه المباحثات. كما يجب على المعارضة التي تتركز في محافظة إدلب القيام أيضاً باستكشاف ما يمكن فعله من خلال الحوار السياسي. وسوف يكون الاستمرار في القتال عبثاً لا طائل تحته. وفي الوقت نفسه، سوف يتطلب تقرير مصير المنطقة التي تحتلها تركيا في شمال غرب سورية تدخلاً دولياً.
حتى تثمر هذه التدابير المعقدة، يجب أن تقبل الحكومة السورية بحتمية إجراء الإصلاحات واتخاذ تدابير لبناء الثقة، بما فيها إطلاق سراح المعتقلين وتحمل المسؤولية عن معاملتهم.
تم ارتكاب انتهاكات هائلة لقوانين الحرب والحقوق الإنسانية في سورية، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية. وما تزال بعض هذه الانتهاكات تُرتكب حتى اليوم. ونتيجة لذلك، تم تشريد نصف سكان البلد، وتعرضت منازلهم وسبل عيشهم للتدمير. وكان المجتمع الدولي شاهداً عاجزاً بلا حول ولا قوة على هذه الانتهاكات -سوى في العام 2013، عندما أفضى جهد روسي-أميركي مشترك إلى إزالة القسم الأكبر من مخزون الأسلحة الكيميائية من البلد.
سوف يشكل تحميل المسؤولية عن الكارثة لأصحابها في سورية جزءاً من علاج مرحلة ما بعد الحرب، لكن الأولوية الآن يجب أن تكون لإنهاء الحرب. وقد استنتج العديد من السوريين أن أي سلام تقريباً، حتى لو كان سلاماً غير كامل أو قبيحاً، سيكون أفضل من العنف المتواصل. وسيكون البديل دولة فاشلة لعقود قادمة في قلب الشرق الأوسط.

*رئيس سابق للولايات المتحدة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: In Syria, an Ugly Peace Is Better Than More War