في صميم أزمة التعليم (1 /2)

تمر المنطقة العربية بتحولات مؤلمة في اللحظة الراهنة. ويبدو التعليم ضحية لتراكمات فشل وتشوهات تجارب الحكومات والاقتصاد والخصخصة منذ منتصف التسعينيات، وفي الوقت سيتوه جيل عربي شبه أمي بعد حرمانه من التعليم -كما بالنسبة لأطفال سورية والعراق واليمن- أو يتم تقديم تعليم رديء له في غرف مكتظة غير مؤهلة، كما في أغلب باقي الدول العربية. هكذا يغيب التعليم بوصفه أساسا في التنشئة والتنمية والنجاح الاقتصادي للأفراد، والدولة فيما بعد، وشرطا من شروط إحداث فرق في المجتمعات.اضافة اعلان
في الأردن، خضع المسار التعليمي لسلسلة إجراءات حكومية في السنوات الماضية، لاسيما امتحان الثانوية العامة "التوجيهي"، بإعادة الهيبة لهذا الامتحان، وكأن هيبة التعليم تنحصر في تشديد هذه الرقابة. فحدث أن بقيت النتائج ضمن مستويات أكثر صدقية للعام الحالي مقارنة بسنوات سابقة؛ إذ بلغت نسبة النجاح أقل من 21 % في الفرع الأدبي، و54 % في الفرع المهني، و59 % للفرع العلمي. أما المفارقة، فهي أن هناك المئات من المدارس التي لم ينجح فيها أحد، لاسيما في البادية وشرق البلاد. ومحافظة المفرق وحدها منيت بإخفاق 89 مدرسة لم يتمكن طلبتها من النجاح.
وتساق التبريرات الرسمية هنا باتجاه أن أعداد الطلبة في بعض هذه المدارس لا يتجاوز عدد أصابع اليدين. إلا أن هذا لا يعفي الحكومة عن مسؤوليتها عن هذا الإخفاق، وهو إخفاق مزدوج؛ مرة عندما تفتتح مدرسة لأقل من عشرين تلميذا، ومرة ثانية عندما يفشل هؤلاء التلاميذ في تخطي المرحلة الثانوية بنجاح.
في المحصلة، فإن هذه النتيجة تدق ناقوس الخطر، رغم أنها أقرب إلى الواقع. فهي تهدد مستقبل العملية التربوية في الدولة، إن لم تتواصل أعمال الجراحة للخروج من أزمة التعليم الراهنة. فقبل عامين، كان الحديث الحكومي عن أمية في الصفوف الابتدائية. واليوم، نرقب فشلا في المرحلة الثانوية؛ كيف يمكن فهم أن طالبين فقط هما اللذان نجحا من أصل كل عشرة طلبة في المرحلة الثانوية للفرع الأدبي؟
في الجدل المحلي، ثمة من يرى وزير التربية والتعليم د. محمد الذنيبات، جراحا بارعا، سيتسنى لنا أن نزيل عن طريق مبضعه ما لحق بالتعليم من تشوهات. في حين يرى آخرون أن الإصلاح الذي لحق بامتحان "التوجيهي" جاء على حساب الطلبة فقط، ولم يلتقط الهنات المسيطرة على باقي أركان الجسم التعليمي. وبين هذا وذاك، يمكن القول إن رأس العملية التعليمية هو المعلم، وما مني به من تهميش اقتصادي واجتماعي في عقود ماضية، انعكس على صورة التعليم وضعفه.
ليضع المرء نفسه مكان معلم يتقاضى راتبا يقل عن راتب أحد تلامذته الذي أخفق في الدراسة فغادر المدرسة وانخرط في سوق العمل.
وفي اتجاه مخالف للمسار الحكومي الآنف، فإن إعادة الهيبة للتعليم تكون بإعادة الهيبة للمعلم اقتصاديا واجتماعيا، حتى تتحقق المصلحة الجماعية للدولة كلها؛ فشتان بين النظرة للمعلم في المجتمع قبل ربع قرن، ومستوى حضوره وتأثيره وقتها، وبين النظرة اليوم وما آلت إليه الأمور.
وفي كل الأحوال، فإن الإشكالية الأكبر في التعليم أصابت مضامينه وجودته ومخرجاته لسوق العمل. وهو ما سيتم بحثه في المقال المقبل.