في غياب "النضوج العاطفي".. كيف تتأثر العلاقات؟

1679047953922978000
1679047953922978000
رشا كناكرية- لطالما كانت آيات ( 25 عاما) تجهل التعامل الصحيح مع مشاعرها، حيث تبدأ بالبكاء كطفل صغير مع كل موقف تقع به بشكل لاإرادي. ذلك الأمر زاد من صعوبة حالتها، بحسب قولها، بسبب زوجها الذي لا يعترف بالمشاعر ويؤمن أن الحب بالافعال وتأمين الاحتياجات لا بالأقوال والتعبير عنها بالكلمات. هي فتاة تحب أن تعبر عما يجول في نفسها، ولكن زوجها يعتبر تلك المشاعر مجرد “حكي فاضي” لتقف في حيرة من أمرها، وتجد البكاء تفريغا لما تحس به. بينما غيث (33 عاما)، يدرك تماما المشاعر التي يمر بها مع كل مرحلة عمرية، فهو يمتلك هذا النضج الذي يساعده على فهم مشاعره والتحكم بها وبردات فعله، وهذا الأمر أوجد له شعور الأمان في داخله. ويشير غيث إلى أنه يمتلك مهارة التعبير عن مشاعره حتى عند انزعاجه ومواجهة المصاعب التي يمر بها بكل عقلانية من دون الانجرار وراء الغضب، وهذا بسبب التنشئة التي تلقاها من عائلته التي كانت دائما تحفزه على مشاركة مشاعره، ما أوجد النضوج العاطفي في شخصيته. وفي الوقت الذي يدرك به البعض التعامل مع عواطفهم ويتحكمون بانفعالاتهم، هنالك من يعجز أمامها ويلجأ لتصرفات طفولية أو مبالغ بها ويضل عن الطريق الصحيح للوصول الى النضوج العاطفي. وأشارت دراسات إلى أن النضج العاطفي ليس سمة فطرية تولد مع الشخص، بل يتم اكتسابها من خلال التعلم وتجارب الحياة والخبرات التي يحصل عليها الفرد خلال مراحل حياته المختلفة. ومن الجانب النفسي، تبين الاختصاصية النفسية عصمت حوسو، أن النضج العاطفي مهم للصحة النفسية للإنسان وبالعلاقة مع الآخرين، إذ هنالك كثير من الأشخاص الذين يتقدمون بالعمر، ولكن النضج العاطفي لديهم لا يكون متزامنا أو لا يكون بمستوى العمر الزمني ذاته. وتوضح حوسو، أننا نستطيع الإدراك أن الإنسان ليس لديه نضج عاطفي عندما تكون ردود فعله على الأحداث مع الآخرين لا تتناسب مع الموقف، أو بمعنى يضخم الحدث وتكون ردة فعله أعلى منه أو أقل وغير متناسبة أو منطقية، مشيرة الى أن هنالك أشخاصا في الخمسينات من عمرهم والنضج العاطفي لديهم بعمر الخامسة عشرة، وهذا الأمر يسمى” النقوص”، بمعنى أنه يعود للوراء بالفترة الزمنية التي توقف بها النضج العاطفي لديه ويصبح يتصرف بردود فعل مراهق. وتشير حوسو الى أن هنالك أسبابا لغياب النضج العاطفي تعود الى التربية وعدم الإشباع العاطفي، ليكون الخزان العاطفي لدى الشخص غير ممتلئ بالذات من مصدر الأمان الأول وهو الأسرة، وخاصة الأم التي قد تكون قاسية أو تميز بين الأبناء أو بسبب القمع أو السلطة الشديدة والاستبداد.. هذه الأمور جميعها توقف النضج العاطفي عند الإنسان بعمر معين، لذلك مهما تقدم بالعمر الزمني تبقى ردود فعله واحدة. وتؤكد حوسو أن النضج العاطفي من أهم قواعد الصحة النفسية ونجاح العلاقات مع الأشخاص والشعور بالسلام الداخلي، مبينة أنه من الممكن للفرد أن يطوره من خلال التوجه لشخص مختص يعلم أين توقف نضجه العاطفي وما الأحداث التي مر بها بطفولته ويعمل على حلها ويعيد تعريفها في دماغه بطريقة صحيحة، وبهذا قد يصبح النضج العاطفي متطورا ومتزامنا مع العمر الزمني، فلكل مختص طريقته وأسلوبه بحسب ديناميكية ظروفه الحالية والظروف التي مر بها في طفولته. وتضيف حوسو، أن غياب النضج العاطفي لدى بعض الأشخاص يظهر من خلال ردود فعلهم والعصبية الشديدة، كذلك بالمواقف التي تستدعي الحزن، إما حزن شديد أو خفيف، وكذلك بالنسبة للفرح إما شديد أو خفيف، فليس هنالك ثبات انفعالي، وغالبا تكون مترافقة مع أعراض جسدية أو قلق كالرجفة أو الاحمرار أو الشعور بألم في الجسد، لعدم القدرة على التعبير عن العواطف بشكل صحيح. أو قد يكون التعبير بطريقة خاطئة وفي بعض الأحيان يتم كبتها، لذلك نرى أشخاصا لديهم خدر عاطفي أو عصبية شديدة. وتضيف حوسو، أن النضج العاطفي هو ذاته الذكاء العاطفي، وهو أمر مهم، لذلك يجب أن يكون نضج الإنسان منذ الصغر، والأسرة لها الدور الأكبر بالوعي بأهميته، وكذلك مؤسسات التنشئة بتعليم الأطفال. اختصاصية الإرشاد التربوي والنفسي والمتخصصة في العلاقات الزوجية الدكتورة سلمى البيروتي، تبين أنه وللوصول لهذه المرحلة من النضج، لابد أن يكون لدى الفرد بيئة داعمة للنمو العاطفي. وتوضح البيروتي أن المشاعر تلعب دورا أساسيا، لذلك فإن العائلة التي تربي أبناءها على التعبير عن مشاعرهم تجدهم في صحة نفسية أفضل من تلك العائلات التي يغيب فيها هذا الدور أو تقلل من أهمية الانفعالات والعواطف، ودائما يتحدثون بالعقل والمنطق فيصبح لديهم نضوج فكري على حساب العاطفي. وتؤكد أننا نحتاج الى النضوج الفكري، ولكن في الوقت ذاته بحاجة للنضوج العاطفي حتى نصل لمرحلة النضوج ككل. وتشير البيروتي الى أن الوصول للنضوج العاطفي في البداية يجب أن يبنى على الوعي بالذات، وذلك بمعرفة الفرد لنفسه وما حاجاته في العلاقة ومع الآخرين وأسباب تصرفه بغضب أو شعوره بالضيق، فكلما استطاع أن يربط تصرفاته بالحاجات في وقتها يستطيع أن يفهم نفسه أكثر؛ إذ إن فهمه لحاجاته يسهم بفهم ذاته أكثر. وتضيف البيروتي، ان الوصول للنضوج العاطفي يعني أيضا تحمل المسؤولية وليس لوم الآخرين على أي مشاعر يمر بها، وفي بعض الأحيان رحلة النضوج العاطفي تتوجب الحديث مع مختص يسهل على الشخص الوعي بذاته أكثر. وتؤكد البيروتي أن وجود هذا النضج لدى الفرد يسهم في زواج ناجح لأن الإنسان الذي يمتلكه قادر على أن يعبر عن مشاعره وعواطفه وآلامه وإحباطاته بطريقة لا يلوم بها الآخرين، إنما فقط يتحدث عما يشعر وعن حاجاته التي لم تلبّ وما الذي يحتاجه في المستقبل من الآخر ويعرفه دوره ومسؤولياته. الإنسان الناضج عاطفيا هو الذي لا يخاف من أن يعترف بحاجاته، بحسب البيروتي، ويعبر عنها للطرف الآخر، فكلما كان الأزواج منفتحين في التعبير عن حاجاتهم كانت الدينامكية في الحوار أكثر تفهما وراحة وتقاربا. وهذا بدوره يؤدي لوجود أجواء من الحميمية العاطفية في العلاقة، إضافة الى تعلم كيفية السيطرة على الانفعالات بالمواقف المختلفة وبطريقة عقلانية وليس انفعالية. وكذلك يؤثر النضوج على مدى قدرة الأزواج على الجلوس معا واتخاذ قرارتهم وتحقيق الأهداف التي وضعوها لحياتهم، وإذا حدث خلاف بإمكانهم أن يتحدثوا للخروح بحلول فعالة أو على الأقل بتفاهم متبادل، وفق البيروتي. ومن جانب آخر، في حال غياب كل ذلك، يصبح هنالك تراكم للانفعالات المؤلمة وخيبة أمل وإحباط وخذلان، وفي بعض الأحيان غضب وخوف وقلق وتوتر وإدانة للذات، الى جانب الشعور بالذنب. وتضيف البيروتي، أن ردود فعل الإنسان غير الناضجة عاطفيا تبقى غير متوازنة، وهذا له عواقب جسيمة على العلاقة من حيث وجود تباعد وشعور بالوحدة في الزواج، ويشعر هذا الإنسان بفقدان الشعور بقيمته وأهميته مع هذا الفرد لأنه لا يستوعبه، ولمجرد الحديث معه ينفعل أو يهرب من الحوار والنقاش. ووفق ذلك، فإن غياب الشفافية في العلاقة يعني الجفاء والبعد العاطفي وعدم الشعور بالراحة النفسية. وضمن هذه الأجواء، يفقد الإنسان الثقة والأمان بالعلاقة ويشعر بعدم الراحة مع نفسه ويصبح تعلقه بالآخرين غير آمن، وفق البيروتي، وفي بعض الأحيان يشك بقدراته ونفسه وكفاءته وأهميته ويفقد التعاطف وكأن العالم يدور من حوله وغير قادر على أن يفهم الآخرين. وتؤكد البيروتي ان الانسان الناضج عاطفيا قادر على أن يصل للراحة مع ذاته ويثق بالاخرين حوله ويشارك نفسه معهم ويساعدهم على النمو كذلك ويكون هنالك تعاطف وامتنان في علاقاته وكذلك يشكر الاخرين على وجودهم ومساعدتهم وتفهمهم ودائما يبادر في العطاء، ولذلك تجده دائما يعلم كيف يسيطر على مشاعره ولا ينكرها او يخمدها انما قادر ان يتصل مع ذاته وافكاره من الداخل. وتختم البيروتي حديثها بان الوصول لهذا النضوج لا بد ان يمر برحلة من الوعي بالذات وان يعترف الفرد انه ليس انسان كامل فالخطأ أمر طبيعي ان تعلم منه. اقرأ أيضاً:  مؤشرات تدل على نضج المشاعر لديك ما بعد الثلاثين.. نضج فكري وعاطفي وقرارات أكثر نجاحااضافة اعلان