في فلك "داعش"

تنظيمات "داعش" وأخواته ليست موجودة في سورية والعراق وسيناء والصومال وأفغانستان ونيجيريا والجزائر ومالي... فقط. إنها موجودة في كل بلد مسلم، وكل بلد فيه مسلمون، على شكل أفراد متعلقين بها؛ "نائمون" أو على شكل جماعات تابعة لها نائمة، تنتظر الفرصة أو الإيعاز من "الخلافة" للإفصاح عن جوانيتها المعادية للحرية والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان، وعن تحريض صريح وعنيف ضد المواطنين المسيحيين، متناسية- بخاصة في بلاد العرب- أن المسيحي في هذه البلاد أقدم من المسلم بستمائة عام، وأن الجد الرابع والأربعين، كما يقول أحد الأساتذة (س. ت)، لكل عربي مسلم ربما كان مسيحياً أو يهودياً أو وثنياً في جزيرة العرب، حيث كانوا وحيث انطلقوا. اضافة اعلان
لقد أثار إعجابي مفتي لبنان الجديد الذي خاطب المسيحيين في لقاء قائلاً: أنتم ملح الأرض، فإذا رحلتم فبماذا نملّح؟
تصّور البلدان العربية خالية تماماً منهم ومن غيرهم من المكونات العرقية أو الدينية أو المذهبية، فماذا تكون صورتها؟ إنها عندئذٍ تصبح لوناً واحداً قاتماً بعدما كانت مضيئة بقوس قزح جميل.
لا يُعلّمون في المدرسة والجامعة عن الأثر العظيم للمواطنين المسيحيين في النهضة الثقافية العربية، وبخاصة في اللغة العربية؛ من قواميس ونحو وصرف، وفي التاريخ العربي والإسلامي والعلوم والآداب والصحافة والتعليم... والتي لولاهم ما عرف  المسلمون عنها أو منها في حينه شيئاً يذكر.
الحق أقول لكم إن العقلية الأحادية الإقصائية التكفيرية السائدة اليوم في المجتمعات المسلمة، العربية وغير العربية، هي نتاج التنشئة والتعليم والإعلام التي سجنّا فيها طيلة العقود الخمسة أو الستة الماضية. كنا نظن بعد الاستقلال أن البلاد ستكون "قمرة وربيع"، وأن الولايات العربية المتحدة الناهضة قادمة سريعاً؛ وإذا بنا نتفرق أيدي سبأ ونستعدي كل العالم علينا ونجعله ضدنا.
لم يكن خطابنا قبل تطور هذه الحال إلى تكفير وكراهية وعنف، يسأل ويتعامل مع بعضنا البعض حسب الأصول والمنابت والأديان والمذاهب والأعراق، ولم نكن ننتبه إليها في معاملاتنا
 اليومية.
لو كان أصحاب هذا التيار أو العقلية أو المدرسة أو الحركة الإرهابية الإقصائية يعقلون ويفكرون، لأدركوا أنه/ أنها أشد خطراً على الإسلام والمسلمين منه على غيرهم، لأنه/ لأنها ألّبت العالم عليهم، وحجمت التبشير بالإسلام فيه، وتهدد حياة أو عيش أكثر من خمسمائة مليون مسلم يعيشون كأقليات أو مكونات فيه كانوا يطالبون بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ليتمتعوا بكامل المواطنة حيث هم. ولكن هذا التيار أو هذه العقلية أو المدرسة أو الحركة أفسدتهم، فصاروا يقدمون الدين على وطنهم، ويعملون على تدميره في سبيل إعلاء كلمتهم التي يظنون أنها كلمة الله.
***
إن مصطلح الأراضي المحتلة خادع، كونه يوحي بأن للاحتلال الإسرائيلي نهاية، وما له نهاية؛ لأن إسرائيل لا تعترف بأنه احتلال، ولذلك تغير طبوغرافية المكان والسكان بالمستوطنات والمستوطنين الذين يفشون كالكاز أو النار في القدس والضفة الغربية. وعليه، وكما أوضحت أكثر من مرة، فإن الوصف المناسب لهذا الواقع هو الاغتصاب أو الاستيطان  الذي لا يزول بغير التكنيس والشطف التامين، وهما كما يبدو غير ممكنين إلى أجل غير مسمى، بعدما تحولت العلاقات العربية والإسلامية الخاصة مع قضية فلسطين إلى علاقات عامة معها، وتقدم الصراع الفلسطيني-الفلسطيني على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
ولما كان الأمر كذلك، فيجب التخلي عن المطالبة بحل الدولتين لأنه صار مستحيلاً. إن البديل الأنجع عن حل الدولتين والذي يمكن أن يلاقي قبولاً في العالم إذا طرح كل يوم، هو حل الدولة الديمقراطية الواحدة؛ فمن هذا الظلام الإسرائيلي الدامس المتمثل بالعنف والدم والأبرتهايد، سيظهر في النهاية "ديكليرك الإسرائيلي" و"مانديلا الفلسطيني"؛ فاليهود في فلسطين الذين يغتصبونها برواية أرض الميعاد، لا يختلفون عن البيض في جنوب أفريقيا الذين اغتصبوها برسالة الرجل الأبيض ثم انتهوا والسود بحل الدولة الديمقراطية الواحدة ليبقوا هناك.
***
يقول ناحوم برنياع المعلق الإسرائيلي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" في تعليق له على الأحداث الأخيرة: "ترفض إسرائيل أن تعيش معهم (يعني الفلسطينيين) وترفض أن تنفصل عنهم" (9 /10 /2015). ويقول معلق آخر: "لو كان الفلسطينيون واليهود متساوين أمام القانون، وحسب كمية الحجارة التي ألقاها اليهود على الفلسطينيين، لكان ينبغي على الجيش قتل مائتي يهودي".