في مواجهة الأزمات: الأولوية للعقل والحكمة

لنعترف أننا أمام انزياحات خطيرة في المزاج العام نحو كل ما هو رسمي؛ التشكيك هو المسيطر حتى ولو كانت الحقائق دامغه كالشمس والنهار والليل؛ صوت العقل مدان ومتهم بالمحاباة والنفاق للحكومات والدولة التي نتشكل منها جميعا؛ قائمة طويلة من الشتائم تلحق بكل من يطالب بأعمال العقل ومحاكمة الاحداث بالمنطق والهدوء. الصراحة مطلوبة حتى لو كانت قاسية فهذا وطن وليس خيمة نهدمها ونرحل؛ أفهم أن يقف كل من لديه موقف جذري وتاريخي من الدولة بكل مؤسساتها موقفا رافضاً وناقداً لأي اجراء حكومي دون أن يحاكمه منطقياً واخلاقياً فالرفض العدمي مطلق لأنه وحده يمتلك الحقيقة وليس مطلوب منه تقديم حلول، ولكن المؤسف والمثير للاستغراب السلوك الانتهازي لبعض من كانوا جزءاً من الدولة وهم يساهمون في تكريس الموقف العدمي منها سواء من خلال تخليهم عن دورهم في الوقوف معها أو الانتقال للخندق الآخر الذي يتجاوز حدود النقد للتحريض. نذكرهم هنا بأن الوقوف مع البلد في اوقات الرخاء فائض عن الحاجة فلماذا يغيبون حينما يجب أن يمارسوا دورهم في نزع محاولات زعزعة الاستقرار في ظروف بالغة الخطورة يستهدف فيها البلد من الخارج وبعض الداخل. تجاوز الأردن عشرية ما سمي بالربيع العربي بسلام وإن كان على رأس الاجندة التي كانت ترعاها قوى داخلية واقليمية وربما دولية ومن يقول خلاف ذلك ربما يعيش في عالم آخر ولا يريد أن يقرأ المشهد الفوضوي المدمر الذي كان يدور حولنا وطالنا منه ما طالنا من ارهاب اسود وأكلاف أخرى ما نزال نتحملها للآن. تجاوزنا تلك الحقبة بسلام وبأقل الخسائر حينما فشل الآخرون واختاروا الفوضى فكانت النتيجة المأساوية الماثلة أمامنا في جوارنا العربي المكلوم الذي يحتاج ردحا طويلا من الزمن كي يلملم جراحه الغائرة، عقل الدولة السياسي والامني وايمان الغالبية العظمى من الأردنيين أن حدود الاختلاف مرسومة بدقة ولا يجوز أن تتجاوز الثوابت التي يجمع عليها الجميع وهي الاختلاف من اجل الأردن لا عليه وأن لا أحد اكبر من وطنه ليستقوي عليه مهما كانت المبررات فعبرنا بسلام دون قطرة دم واحده بحمد الله. من نافل القول هنا أن هذا لا يعني الدفاع عن الاخطاء المتراكمة وعدم المطالبة بالمحاسبة ومحاربة الفساد دون تردد والأهم الشروع في عملية اصلاح حقيقية تخرجنا من المربع الذي اوصلنا لهذه الحالة البائسة التي وضعتنا بين حالات شعبوية فارغة بلا مشروع حقيقي قادر على مجابهة الحكومات واحراجها ونماذج من الولاء الاستهلاكي الذي لم يعد صالحاً في هذا الزمن وهو عبء على الدولة وليس رصيدا لها لأن العلاقة الزبائنية المبنية على المكاسب بغير وجه حق هي ما تحكمه. المعارضة الحقيقية التي تشتبك بكل شجاعة وجراءة مع الحكومات وتمارس دورها الرقابي والتشريعي هي ما نحتاجه في هذه المرحلة وهي رصيد حقيقي وعون للحكومات لا معارضة النجومية والمعارك الخاسرة التي تكرس صورة محزنة ومؤسفة عن صورة البرلمان والذي وإن أوغلنا في نقده من مصلحتنا أن يبقى مؤسسة راسخة من عناوين الديمقراطية. نعود مرة اخرى للسؤال عن غياب "تقدير الموقف" ومراعاة تداعيات أي قرار ومن أي سلطة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً دون أن يمس جوهر تطبيق القانون وهو للأسف ما يدخل البلد في ازمات عبثية تضعنا في دائرة القلق وهو ما ساهم فيه سوء تقدير الأزمة الاخيرة في مجلس النواب من كل الاطراف وادخل البلد في ازمة هي بغنى عنها. هذه دولة راسخة عمرها السياسي مائة عام وجابهت تحديات ومؤامرات كادت تعصف بها ولا يجوز أن يسمح للشعبويات والمغامرات الاستعراضية أن تدخلها في الفوضى فهذه لحظة المؤمنين بوطنهم ودولتهم لا الباحثين عن النجومية.اضافة اعلان