في مواجهة القادم الأصعب

تتّجه المنطقة نحو المزيد من التصعيد. وسيكون لذلك تبعاتٌ ستؤثّر على المملكة بدرجاتٍ متفاوتةٍ وبطرقٍ مختلفة. حماية الأردن من الآثار السلبيّة للأزمات المتدحرجة يتطلّب التعامل معها برؤيةٍ شموليّةٍ واضحة الأولويّات.اضافة اعلان
ففي العراق، تستعد الحكومة لشنّ معركة الموصل التي ستنتهي حتماً بإنهاء سيطرة "داعش" المكانيّة على ثاني أكبر مدن العراق، لكنّها قد تؤدّي إلى تشريد حوالي مليون مواطن سيسهم عدم استعداد الحكومة لتلبية احتياجاتهم في تعميق الأزمة السياسيّة في البلد. ولا جدل في أنّ فشل الحكومة العراقية في معالجة تمزّقها المجتمعي عبر بناء دولة المواطنة العادلة سيزيد من التوتّر المذهبي الذي سينعكس صراعاتٍ متناميةً على حدودنا الشرقيّة.
التدهور في العراق سيمثّل بالنسبة للأردن تحديّاتٍ أمنيّةً واقتصاديّةً وديمغرافيّة. فـ"داعش،" الذي سيُقزّم على المدى القصير عصاباتٍ تقتل حيث تستطيع، لا يعترف بالحدود وسيظل تهديدا أمنيّاً محتملاً على حدودنا. ولا شكّ في أنّ تراجع الاقتصاد العراقي أو انهياره سيحرم الأردن سوقاً واسعةً اعتمدت عليها قطاعاتٌ اقتصاديّةٌ عديدة. ولا يمكن التقليل من احتمال تدفّق أعدادٍ كبيرةٍ من العراقيّين إلى المملكة، ما سيزيد من ضغوطات اللجوء.
الحال ليست أفضل في سورية. الاتفاق الروسي-الأميركي منهارٌ واقعيّاً، ومعركة حلب دفنت كلّ الآمال باعتماد المفاوضات السلميّة سبيلاً لمعالجة الأزمة. الحرب ستزداد بشاعة. ستعمّ الفوضى مناطق أكثر من سورية، ما يعني انتشاراً أوسع للمنظمّات الإرهابيّة التي تمثّل خطراً على أمن المملكة. وسيقصد عددٌ أكبر من السوريّين الأردن ملاذاً من الحرب. هذا يعني ضغوطاتٍ أكبر من تلك التي واجهتها المملكة من الكارثة السوريّة.
أضف إلى ذلك أنّ دول الخليج تشهد تباطؤاً اقتصاديّاً وتقلّصاً في أسواق العمل التي توظّف مئات الألوف من الأردنيّين. وثمّة مبرّراتٌ للقلق من احتمال فقدان مغتربين أردنيّين فرص عملهم هناك، والعودة إلى سوق العمل المحلّية التي تعاني أصلاً من عدم القدرة على تلبية الطلب على التوظيف.
هذه بعضٌ من الظروف الإقليميّة الصعبة التي تفرض على المملكة أن تعمل بلا تراخٍ على ترجمة الرؤية المستهدفة تحصين الأردن من أمراض الإقليم.
والرؤية هذه حدّدها جلالة الملك في محاور واضحة تشمل الحفاظ على أمن المملكة واستقرارها، تحقيق أداءٍ اقتصاديٍّ ينعكس خيراً على مستوى معيشة الناس، وإصلاحاً سياسيّاً متدرّجاً يحقّق درجاتٍ أعلى من الدمقرطة التي تضمن مشاركة الناس في صناعة مستقبلٍ مستنيرٍ تتعزّز فيه التعدّدية والعدالة وقيم الانتماء والمواطنة، فيضمن الحياة الكريمة للجميع.
المحور الأوّل تتصدّى له بكفاءةٍ المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة. التحدّي يكمن في ترجمة الرؤية المتعلّقة بالمحورين الاقتصادي والإصلاحي برامج عملٍ يلمس الناس نتائجها ويعرفون وجهتها. وهذه عملية طويلة المدى. لكنّ نجاحها يعتمد على العمل بشفافيّةٍ ووفق خططٍ مدروسة، وبتعاونٍ بين السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة.
هذه الشفافيّة وهذا التعاون والتخطيط المدروس غابت في مراحل سابقة فتضرّرت مصالح البلد وأهله. لا يملك الأردن ترف تحمّل هذا الغياب في مرحلةٍ قد تكون غير مسبوقةٍ في جسامة تحدّياتها.