قانون الأحزاب: ما قبله وما بعده

في الندوة التي نظّمها مركز القدس للدراسات حول مشروع قانون الأحزاب، المقدّم لمجلس النواب في دورته الأخيرة، أشار وزير التنمية السياسية، محمد العوران، إلى أنّ هنالك ملاحظات على مشروع القانون سوف تناقشها الحكومة مع المجلس لتعديل العديد من النقاط الواردة. كما أشار طاهر المصري أنّ لجنة "كلنا الأردن" تدرس بعض الملامح العامة لمشروع القانون لتحسينه وتطويره، ما يعني أن هنالك ملاحظات وتعديلات عديدة متوقعة على نصوص مشروع القانون. 

اضافة اعلان

على الرغم من أهمية قانون الأحزاب كأساس تشريعي ينظّم عمل الأحزاب ما لها وما عليها، إلاّ أن المشاركين - في ندوة القدس- أجمعوا على أنّ هنالك قضايا وموضوعات سابقة على مناقشة قانون الأحزاب، تمثلّ شروطاً مسبقة بالفعل، إذا ما أريد لهذا القانون، كما هو وارد في الأسباب الموجبة له، أن يعالج قضية عزوف المواطنين عن الأحزاب، بما يضمن تفعيل الأحزاب وتقويتها لتشكل عموداً صلباً واساسياً من أعمدة النظام السياسي.

عدة قضايا مهمة وحيوية تطرح، في مناقشة قانون الأحزاب، في صلبها أنّ نجاح الأحزاب أو فاعليتها لا يتعلق بقانون الأحزاب بقدر ما يرتبط ذلك بقانون الانتخابات، الذي يعطي جدوى عملية للأحزاب السياسية. فإذا كان هنالك إرادة سياسية حقيقية بالمضي قُدُماً بمشروع الإصلاح السياسي، فلا بد من قانون انتخابات جديد يقوم على القائمة النسبية، يعتمد التعددية الحزبية أساساً للوصول إلى مجلس النواب وبناء تقاليد تشكيل الحكومات، أمّا قانون الصوت الواحد، بصيغته الحالية، فهو مقبرة حقيقية للحياة الحزبية.

أساس فكرة الأحزاب السياسية هو مبدأ تداول السلطة، ومن دونه لن يكون للأحزاب سوى دور هامشي أو خطابي سواء كانت في "الموالاة" أو "المعارضة"، ولعلّ تعريف الحزب السياسي، كما هو في مشروع القانون المقترح، يشير إلى الخلل الكبير في إدراك وظيفة الأحزاب ودورها، إذ لا يقترب التعريف المذكور، من قريب ولا من بعيد، إلى أن هدف الأحزاب هو الوصول إلى السلطة وتشكيل الحكومة، كما هو الحال في مختلف الدول الديمقراطية في العالم، وكأنّ عبارة تداول السلطة وتشكيل الحكومة خط  أحمر، لا يجوز الاقتراب منه، مع أنه أصل اللعبة الديمقراطية وجوهرها.

الاتجاه المعارض للقائمة النسبية يتذرع بالخوف من سيطرة حزب واحد (جبهة العمل الإسلامي)، ولتلافي هذه النتيجة يمكن منح الأحزاب عاماً كاملاً لترتيب أوضاعها لخوض الانتخابات على أساس القائمة النسبية، وعندها ستكون مضطرة إلى خلق تكتلات وتحالفات للوقوف في وجه الإسلاميين، ما يفعّل الحياة الحزبية والسياسية. أمّا من دون قانون الانتخابات المطلوب فالحديث عن قانون أحزاب وحياة سياسية حقيقية تقوم على التعددية والتداول هو مجرد "شراء للوقت" ويضع علامةً استفهام كبيرة على كل قصة الإصلاح والتنمية السياسية.

اقتراح كهذا سيؤدي إلى التمديد للمجلس الحالي وتأجيل الانتخابات النيابية عاماً كاملاً، نعم، فليكن إذا كانت المخرجات ستؤدي إلى نقل الحالة السياسية قفزة كبيرة وحقيقية، وستؤدي إلى حكومة على أسس وبرامج واضحة. ولعل في هذا التأجيل فرصة لصانع القرار كي يقرأ الظروف الإقليمية المحيطة أفضل، وتتضح احتمالات المرحلة القادمة، بما لا يجعل من انتخابات تشريعية حقيقية بمثابة المجازفة أو القفز على أرض متحركة، على أن يكون التمديد للمجلس الحالي شريطة تعهد الحكومة بتقديم قانون انتخابات عصري يستند إلى القائمة النسبية، ويسمح بوجود فاعل للأحزاب في البرلمان القادم.

ستثار، في هذا السياق، هواجس من احتمال وجود أغلبية للإسلاميين تتيح لهم القدرة على تشكيل حكومة مع ضمان أغلبية مجلس النواب في الوقت نفسه، ربما يورطنا ذلك في أزمة سياسية بنيوية خانقة، كما حصل مع حماس، في ظل عدم واقعية خطاب الإسلاميين وقدرته على التعامل مع الشروط الموضوعية، وهذه هواجس مشروعة ومبررة 100%، لكن التعامل معها يكون في صيغة قانون للانتخابات تعتمد تقسيماً جغرافياً يحول دون تحقيق الإسلاميين لأغلبية في الفترة القريبة القادمة، وهنالك دور كبير على عاتق الأحزاب الأخرى لتتحالف وتجدد أدواتها وخطابها وتفرز شخصيات قيادية قادرة على إقناع الجمهور واستقطابه إليها ولبرامجها.

صحيح أنّ خطوة كهذه فيها هامش من المخاطرة والرهان السياسي، لكنها - في المقابل- ضرورية إذا ما أريد تفعيل الحياة الحزبية وتجذيرها وتقوية الحياة السياسية. بخلاف ذلك فإنّ عملية الإصلاح السياسي تتطلب فترة زمنية بعيدة المدى تصل إلى أكثر من عشرين عاماً، كما توقع رئيس الوزراء، في خطابٍ سابقٍ له، وربما سنبقى سنين أخرى ندور في الحلقة المفرغة ذاتها، ونبدّل العناوين والشعارات ونعقد الخلوات والمؤتمرات، ما لم تحصل تغييرات سياسية أعقد، على مستوى المنطقة كلها.

ثمة عوائق أخرى أمام تفعيل وتقوية الحياة الحزبية تتمثل في الثقافة السياسية السلبية، والشعور بالشك بين الحكومة والقوى المختلفة، ما يفرض حالة سلبية على مجمل الحياة السياسية، تحول دون توطين العمل الحزبي في الحياة العامة وإزالة الحواجز بينه وبين أغلب المواطنين، لكن المعوقات الثقافية لا ترتبط بعملية تشريعية مباشرة، إنما تتطلب عملية متواصلة ومتراكمة، سواء بالتربية والتعليم أو دور وسائل الإعلام.

ما هو أهم من هذا وذاك هو أن يشعر المواطن، فعلاً مما يراه في الواقع، أنّ الأحزاب جزء بنيوي، لا غنى عنه، في الحياة السياسية، وأنّ دورها لا يقتصر على الخطابات والمواقف العامة، إنما يمتد إلى عملية صنع القرارات التي تمس حياة الناس اليومية، سواء كان ذلك بدور الأحزاب التشريعي أو الرقابي في البرلمان، أو بتشكيلها الحكومات، أو حتى بلورة وصياغة مطالب الناس وتأطيرها في سياق العملية التشريعية وبناء السياسات العامة.

[email protected]