قانون الانتخاب المؤقت في مجلس النواب

أحالت حكومة سمير الرفاعي قانون الانتخاب المؤقت رقم (9) لسنة 2010، مع بقية القوانين المؤقتة إلى مجلس النواب السادس عشر. وبدوره أحال المجلس قانون الانتخاب إلى لجنته القانونية. وبناءً على طلب الملك وتعهد رئيس الوزراء، فإن من المتوقع أن يعطى قانون الانتخاب صفة الاستعجال وأن تدرس بنوده بنداً بنداً، في ضوء ما كشفت عنه الانتخابات الأخيرة من ثغرات وانتقادات من مختلف الأوساط.

تعهد رئيس الوزراء، قبل الانتخابات الأخيرة، بإحالة القانون المذكور على أول دورة لمجلس النواب السادس عشر، وبإضفاء صفة الاستعجال عليه، جاء في معرض محاولات الحكومة ثني الحركة الإسلامية وقوى أخرى عن مقاطعتها للانتخابات. لكن مبرره الموضوعي يتجاوز ذلك، فمعظم مجالس النواب، اعتادت، بالتواطؤ مع الحكومات، ترك قوانين الانتخاب (وجميعها مؤقتة، أي وضعت في غياب البرلمان أو أثناء حله) في الأدراج حتى يحين موعد الانتخابات التالية، وفي الأسابيع الأخيرة من عمر المجلس "تكتشف" الحكومة أن ليس لديها وقت كاف لاستبدال أو تعديل قانون الانتخاب. ولذلك فإن الحكمة باتت تفرض أن يعطى قانون الانتخاب المؤقت الأولوية على غيره من القوانين، وأن يباشر مجلس النواب الجديد في دراسته منذ دورته الأولى، وليس تركه إلى آخر دورة له، كما حصل مراراً.

لا جديد إذا قلنا إن هناك انقساماً وطنياً واسعاً حول قانون الانتخاب الملائم للأردن، وقد صرفت البلاد عقدين من الزمن في "حوار طرشان" حول القانون المذكور، حيث انعقدت حوله مئات الندوات وورش العمل خلال السنوات العشرين المارة، لكن هذه الندوات وورش العمل كانت غالباً تفتقر إلى مقومات الحوار الوطني التعددي، وقلما ضمت الحكومة والمعارضة على مائدة واحدة. ومع ذلك، فإن فقدان التوافق حول قانون الانتخاب لا يجب أن يبرر الاستمرار في وضع مشاريع قانون الانتخاب في الغرف المغلقة وفرضه على المجتمع فرضاً بدعوى صعوبة التوافق حول القانون الملائم.

إن بلدنا ليس استثناء من بين الدول السائرة في طريق التحول الديمقراطي، فغالبيتها واجهت مشكلات غياب الإجماع والتوافق على قانون الانتخاب. لكن الأردن ربما كان البلد الذي أظهر تصميماً أقل على المضي في الحوار الوطني حتى النهاية، وصولاً إلى بناء توافق عام بين قواه السياسية والاجتماعية على قانون الانتخاب الملائم. وتبين تجربة انتخابات 2007 و2010 النيابية أنه لا يمكن تفادي مثل هذا التوافق على مثل هذا القانون، إذا أردنا التقدم إلى الأمام، ووضع حد للأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعيق تقدمنا جميعاً نحو الأمام.

ورغم التشكيك الذي تبديه بعض القوى حول قدرة مجلس النواب السادس عشر على إنتاج قانون انتخاب ملائم، إلا أنه تبقى السلطة التشريعية المنوط بها دستورياً وضع قانون كهذا. وانطلاقاً من الوعي بوجاهة هكذا شكوك، فإنه من الأجدى أن يبادر المجلس النيابي بنفسه إلى فتح الباب أمام حوار وطني حول قانون الانتخاب المرتجى. لقد تسلم رئيس مجلس النواب السيد فيصل الفايز رئاسة الحكومة قبل سبع سنوات تحت لواء الاصلاح والتنمية السياسية، وفي عهد حكومته أطلقت العديد من المبادرات الإصلاحية، ومنها إنشاء أول وزارة للتنمية السياسية ووضع "الأجندة الوطنية" وانطلاق الحوار حول "مشروع الأقاليم". واستناداً إلى هذا الميراث، فإن السيد الفايز، ومن موقعه على رأس مجلس النواب، وبالتعاون مع اللجنة القانونية، مدعو إلى رعاية خلوة وطنية لتدارس قانون الانتخاب، بمشاركة مختلف الأطياف السياسية، بما فيها قوى المعارضة والمقاطعة، وإلى استدراج الخبرات الحقوقية الوطنية والدولية المرموقة للمشاركة بإبداء الرأي وتداول الممارسات الأفضل في مجال إصلاح قوانين الانتخاب.

اضافة اعلان

هناك خبرات وتجارب عديدة في الإصلاح الانتخابي عرفها العالم خلال العقود القليلة الماضية، وليس مطلوباً منا "اختراع العجلة" من جديد، وإنما المطلوب هو مراعاة المعايير الدولية والممارسات الأفضل عند وضع قانون الانتخاب المأمول. وقبل أن نتجادل على النظام الانتخابي المناسب، لنبدأ بتثبيت قواعد النزاهة والشفافية والتمثيل العادل المتعارف عليها دولياً، ثم لنتفق حول النظام الانتخابي الأنسب لبلدنا.

[email protected]